خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
١١٢
-الأنعام

الدر المصون

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ }: الكافُ في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف، فقدَّره الزمخشري/ كما خَلَّيْنا بينك وبين أعدائك كذلك فَعَلْنا بمَنْ قَبْلك"، وقال الواحدي: "وكذلك" منسوقٌ على قوله { { كَذَلِكَ زَيَّنَّا } [الأنعام: 108] أي: "كما فَعَلْنا ذلك كذلك جَعَلْنا لكلِّ نبيٍّ عدوَّاً". ثم قال: "وقيل: معناه جَعَلْنا لك عدواً كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء، فيكون قولُه "وكذلك" عَطْفاً على معنى ما تَقَدَّم من الكلام، وما تقدَّم يدلُّ على معناه على أنه جعل له أعداءً و "جَعَل" يتعدَّى لاثنين بمعنى صَيَّر. وأعرب الزمخشري وأبو البقاء والحوفي هنا نحوَ إعرابِهم في قوله تعالى: { { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ } [الأنعام: 100] فيكونُ المفعول الأول "شياطين الإِنس" والثاني "عَدُوَّا"، و "لكلِّ" حال من "عدوَّاً" لأنه صفتُه في الأصل، أو متعلِّق بالجَعْل قبلَه، ويجوز أن يكون المفعول الأول "عدوَّاً" و "لكلِّ" هو الثاني قُدِّم، و "شياطين" بدل من المفعول الأول.
والإِضافة في { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ } يُحتمل أن تكونَ من باب إضافة الصفة لموصوفها، والأصل: الإِنس والجن الشياطين نحو: جَرْد قطيفة، ورجَّحْتُه بأنَّ المقصودَ التَّسَلِّي والاتِّساء بمن سَبَق من الأنبياء إذ كان في أممهم مَنْ يُعادلهم كما في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون من الإِضافة التي بمعنى اللام، وليست من باب إضافة صفة لموصوف، والمعنى: الشياطين التي للإِنس، والشياطين التي للجن، فإنَّ إبليس قسَّم جنده قسمين: قسمٌ مُتَسَلِّط على الإِنس، وآخر على الجن كذا جاء في التفسير، ووقع "عَدُوَّاً" مفعولاً ثانياً لشياطين على أحد الإِعرابين بلفظ الإِفراد لأنه يكتفي به في ذلك، وتقدَّم شواهده ومنه:

2033ـ إذا أنا لم أَنْفَعْ صديقي بودِّه فإنَّ عدوِّي لن يَضُرَّهُمُ بُغْضي

فأعاد الضمير مِنْ "يَضُرَّهُم" على "عدّو" فدلَّ على جمعيته.
قوله { يُوحِي } يحتمل أن يكون مستأنفاً أخبر عنهم بذلك، وأن يكون حالاً من "شياطين" وأن يكون وصفاً لعدو، وقد تقدَّم أنه واقع موقع أعداء، فلذلك عاد الضمير عليه جمعاً في قوله "بعضهم".
قوله { غُرُوراً } قيل: نصبٌ على المفعول له أي: لأَنْ يَغُرُّوا غيرهم وقيل: هو مصدرٌ في موضع الحال أي غارِّين، وأن يكون منصوباً على المصدر، لأن العاملَ فيه بمعناه كأنه قيل: يَغُرُّون غُروراً بالوحي. والزخرف: الزينة، وكلامٌ مُزَخْرَف مُنَمَّق، وأصلُه الذَّهب، ولمَّا كان الذهب مُعْجِباً لكل أحد قيل لكل مُسْتَحْسَن مزيَّن: زخرف. وقال أبو عبيدة "كلُّ ما حَسَّنْتَه وزَيَّنْتَه وهو باطل فهو زُخْرف" وهذا لا يلزم إذ قد يُطْلق على ما هو زينةٌ حَقٌّ، وبيت مزخرف أي: مُزَيَّنُ بالنقش، ومنه الحديث:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى أَمَرَ بالزخرف فَنُجِّي" يعني أنهم كانوا يزينون الكعبة بنقوش وتصاوير مُمَوَّهة بالذهب فأُمِرْنا بإخراجها.
قوله: { وَمَا يَفْتَرُونَ } "ما" موصولةٌ اسميةٌ أو نكرةٌ موصوفة، والعائدُ على كِلا هذين القولين محذوف، أي: وما يفترُونه، أو مصدرية، وعلى كلِّ قول فمحلُّها نصبٌ، وفيه وجهان أحدهما: أنها نسقٌ على المفعول في "فَذَرْهُمْ" أي: اتركهمْ واتركْ افتراءهم. والثاني: أنها مفعول معه، وهو مرجوحٌ لأنه متى أَمْكَنَ العطفُ من غير ضعف في التركيب أو في المعنى كان أَوْلَى من المفعول معه.