خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
١٢٣
-الأعراف

الدر المصون

قوله تعالى: { آمَنتُمْ }: اختلفَ القراء في هذا الحرف هنا وفي طه وفي الشعراء. فبعضهم جَرَى على قولٍ واحد، وبعضهم قَرَأَ في موضع بشيءٍ لم يَقْرأ به في غيره. فأقول: إن القرَّاء في ذلك على أربع مراتب:
الأولى: قراءةُ الأخوين وأبي بكر عن عاصم وهي: بتحقيق الهمزتين في السور الثلاثِ من غيرِ إدخالِ ألفٍ بينهما وهو استفهامُ إنكار، وأمَّا الألفُ الثالثةُ فالكلُّ يَقْرؤونها كذلك؛ لأنها هي فاء الكلمة أُبْدِلَتْ لسكونها بعد همزة مفتوحة، وذلك أن أصل هذه الكلمة أَأَأْمَنْتم بثلاث همزات، الأولى للاستفهام والثانية همزة أفعل والثالثة فاء الكلمة، فالثالثة يجب قَلْبُها ألفاً لِما عرفته أول هذا الموضوع، وأمَّا الأولى فمُحَقَّقة ليس إلا، وأمَّا الثانية فهي التي فيها الخلاف بالنسبة إلى التحقيق والتسهيل.
الثانية: قراءة حفص وهي "آمنتم" بهمزة واحدة بعدها الألف المشارُ إليها في جميع القرآن. وهذه القراءةُ تحتمل الخبرَ المَحْضَ المتضمنَ للتوبيخ، وتحتمل الاستفهامَ المشارَ إليه، ولكنه حُذِف لفهم المعنى ولقراءة الباقين.
الثالثة: قراءةُ نافع وأبي عمرو وابن عامر والبزي عن ابن كثير، وهي تحقيقُ الأولى، وتسهيلُ الثانية بين بين، والألف المذكورة. وهو استفهامُ إنكارٍ كما تقدَّم.
الرابعة: قراءةُ قنبل عن ابن كثير وهي التفرقةُ بين السور الثلاث: وذلك أنه قرأ في هذه/ السورة حالَ الابتداء بآمنتم بهمزتين، أولاهما مخفَّفة، والثانية مُسَهَّلة بين بين وألف بعدها كقراءة رفيقه البزي، وحالَ الوصل يقرأ: "قال فرعون وامنتم" بإبدال الأولى واواً وتسهيل الثانية بين بين وألف بعدها: وذلك أن الهمزة إذا كانت مفتوحةَ بعد ضمة جاز إبدالُها واواً سواء كانت الضمةُ والهمزةُ في كلمةٍ واحدة نحو: جُوَن ويُؤاخذكم ومُوَجَّلاً أم في كلمتين كهذه الآية، وقد فعل مثل ذلك أيضاً في سورة الملك في قوله:
{ { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ وأَمِنتُمْ } [الملك: 15-16] فأبدل الهمزةَ الأولى واواً لانضمام ما قبلها حال الوصل، وأما في الابتداء فيخففها لزوالِ الموجب لقلبها، إلا أنه ليس في سورة الملك ثلاثُ همزات. وسيأتي إن شاء الله تعالى ذلك في موضعه.
وقرأ في سورة طه كقراءة حفص: أعني بهمزةٍ واحدةٍ بعدها ألفٌ، وفي سورة الشعراء كقراءة رفيقِه البزي فإنه ليس قبلها ضمةٌ فيبدلها واواً في حال الوصل. وقد قرأتُ لقنبل أيضاً بثلاثة أوجه في هذه السورةِ وصلاً: وهي تسكينُ الهمزةِ بعد الواو المبدلةِ أو تحريكها أو إبدالُها ألفاً، وحينئذ ينطق بقَدْر ألفَيْن ولم يُدخل أحدٌ من القراء مدّاً بين الهمزتين هنا سواءً في ذلك مَنْ حقق أو سَهَّل؛ لئلا تجتمع أربعةُ متشابهات.
والضمير في "به" عائدٌ على الله تعالى لقوله: { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ويجوزُ أن يعودَ على موسى وأمَّا الذي في سورة طه والشعراء في قوله: { آمنتم له } فالضمير لموسى لقوله: { إنَّه لكبيرُكم }.
قوله: { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } حُذِفَ مفعولُ العلم للعلم به، أي: تعلمون ما يحلُّ بكم، ثم فَسَّر هذا الإِبهامَ بقوله:
{ لأُقَطِّعَنَّ }