نزل صدرها إلى نيف وثمانين آية لما قدم نصارى نجران المدينة المنوّرة يناظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام {الۤمۤ} تقدّم الكلام على حروف الهجاء وقرأ الجمهور بفتح الميم هنا في الوصل لالتقاء الساكنين نحو من الناس، وقال الزمخشري: هي حركة الهمزة نقلت إلى الميم وهذا ضعيف لأنها ألف وصل تسقط في الدرج {ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ} ردّ على النصارى في قولهم إنّ عيسى هو الله لأنهم زعموا أنه صلب، فليس بحيّ وليس بقيوم {ٱلْكِتَٰبَ} هنا هو القرآن {بِٱلْحَقِّ} أي تضمن الحق من الأخبار والأحكام وغيرها أو بالاستحقاق {مُصَدِّقاً} قد تقدّم في مصدّقاً لما معكم {بَيْنَ يَدَيْهِ} الكتب المتقدّمة {ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ} أعجميان فلا يصح ما ذكره النحاة في اشتقاقهما ووزنهما {وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ} يعني القرآن؛ وإنما كرر ذكره ليصفه بأنه الفارق بين الحق والباطل، ويحتمل أن يكون ذكره أولاً على وجه الإثبات لإنزاله لقوله: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ}، ثم ذكره ثانياً: على وجه الامتنان بالهدى به، كما قال في التوراة والإنجيل {هُدًى لِّلنَّاسِ}، فكأنه قال: وأنزل الفرقان هدى للناس ثم حذف ذلك لدلالة الهدى الأول عليه، فلما اختلف قصدُ الكلام في الموضعين لم يكن ذلك تكراراً، وقيل: الفرقان هنا؛ كل ما فرق بين الحق والباطل من كتاب وغيره، وقيل: هو الزبور، وهذا بعيد {لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ} خبر عن إحاطة علم الله بجميع الأشياء على التفصيل، وهذه صفة لم تكن لعيسى، ولا لغيره، ففي ذلك ردّ على النصارى {هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ} برهان على إثبات علم الله المذكور قبل، وفيه ردّ على النصارى؛ لأن عيسى لا يقدر على التصوير، بل كان مصوّراً كسائر بني آدم {كَيْفَ يَشَآءُ} من طول، وقصر، وحسن، وقبح، ولون؛ وغير ذلك.