خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
-النساء

التسهيل لعلوم التنزيل

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } خطاب على العموم وقد تكلمنا على التقوى في أوّل البقرة { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } هو آدم عليه السلام { زَوْجَهَا } هي حواء خلقت من ضلع آدم { وَبَثَّ } نشر { تَسَآءَلُونَ بِهِ } أي يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله أن تفعل كذا و{ وَٱلأَرْحَامَ } بالنصب عطفاً على اسم الله أي: اتقوا الأرحام فلا تقطعوها، أو على موضع الجار والمجرور. وهو به، لأنّ موضعه نصب وقرئ بالخفض عطف على الضمير في به، وهو ضعيف عند البصريين، لأن الضمير المخفوض لا يعطف عليه إلاّ بإعادة الخافض { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } إذا تحقق العبد بهذه الآية وأمثالها استفاد مقام المراقبة وهو مقام شريف أصله علم وحال، ثم يثمر حالين: أما العلم: فهو معرفة العبد؛ بأن الله مطلع عليه، ناظر إليه يرى جميع أعماله، ويسمع جميع أقواله، ويعلم كل ما يخطر على باله، وأما الحال: فهي ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه، ولا يغفل عنه، ولا يكفي العلم دون هذه الحال، فإذا حصل العلم والحال: كانت ثمرتها عند أصحاب اليمين: الحياء من الله، وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي والجِدّ في الطاعات، وكانت ثمرتها عند المقرّبين: الشهادة التي توجب التعظيم والإجلال لذي الجلال، وإلى هاتين الثمرتين أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فقوله أن تعبد الله كأنك تراه: إشارة إلى الثمرة الثانية، وهي المشاهدة الموجبة للتعظيم: كمن يشاهد ملكاً عظيماً، فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة، وقوله فإن لم تكن تراه فإنه يراك: إشارة إلى الثمرة الأولى ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقربين، فاعلم أنه يراك، فكن من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين، فلما فسر الإحسان أوّل مرة بالمقام الأعلى؛ رأى أن كثيراً من الناس قد يعجزون عنه، فنزل عنه إلى المقام الآخر، واعلم أن المراقبة لا تستقيم حتى تتقدّم قبلها المشارطة والمرابطة، وتتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة، فأما المشارطة: فهي اشتراط العبد على نفسه بالتزام الطاعة وترك المعاصي، وأما المرابطة؛ فهي معاهدة العبد لربه على ذلك، ثم بعد المشارطة والمرابطة أول الأمر تكون المراقبة إلى آخره، وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه، فإن وجد نفسه قد أوفى بما عاهد عليه الله: حمد الله، وإن وجد نفسه قد حل عقد المشارطة، ونقض عهد المرابطة، عاقب النفس عقاباً بزجرها عن العودة إلى مثل ذلك، ثم عاد إلى المشارطة، والمرابطة وحافظ على المراقبة، ثم اختبر بالمحاسبة، فهكذا يكون حتى يلقى الله تعالى.