خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٤٤
-هود

التفسير الكبير

قولهُ: { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي }؛ أي قِيْلَ بعدَ ما تناهى أمرُ الطُّوفان، وذلك لِمَا روى ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أنَّ السَّمَاءَ مَطَرَتْ أرْبَعِينَ يَوْماً اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَخَرَجَ مَاءُ الأَرْضِ أرْبَعِينَ يَوْماً اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَسَارَتْ بهِمُ السَّفِينَةُ فَطَافَتْ بهِمُ الأَرْضَ كُلَّهَا فِي خَمْسَةِ أشْهُرٍ لاَ تَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى أتَتِ الْحَرَمَ فَلَمْ تَدْخُلْهُ، وَطَافَتْ بالْحَرَمِ أُسْبُوعاً، وَرُفِعَ الْبَيْتُ الَّذِي بَنَاهُ آدَمُ إلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، جُعِلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ عَلَى أبي قُبَيْسٍ، وَأُوْدِعَ فِيْهِ، ثُمَّ ذهَبَتْ بهِمُ السَّفينَةُ في الأَرْضِ حَتَّى انْتَهَتْ بهِمْ إلَى الْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بَأَرْضِ الْمَوْصِلِ، فََاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ بَعْدَ خَمْسَةِ أشْهُرٍ). ويقالُ: رَكِبَ نوحُ في السفينةِ لعشرٍ مضَين من رجب، وخرجَ منها يومَ عاشوراء، فذلك خمسةُ أشهر.
فلما استقرَّت السفينةُ على الْجُودِيِّ كشفَ نوح الطبقَ الذي فيه الطيرُ، فبعثَ الغرابَ ليأتيه بالخبرِ فأبصرَ جِيفَةً، فوقعَ عليها وأبطأَ على نوحٍ ولم يأتهِ، فأرسلَ الْحَدْأَةَ على إثرهِ فأبطأت عليه ولم تأته، فدعَا على الغراب أن يكون طويلَ العمر في مخافةٍ وشَقَاء. ثم أرسلَ الحمامة بعد الحدأة بسبعٍ فلم تجِدْ مَوقِعاً فرجعت، فبسطَ لها نوحُ عليه السلام كفَّهُ فوقعت عليهِ، ثم مكثَ نوح ما شاءَ الله، ثم أرسلَها مرَّة أخرى فجاءت بعدَ ذلك فوقعت على الأرضِ وغابَت رجلاَها في الطِّين، فعرفَ نوحٌ أن الأرضَ قد ظَهرت، فدعَا بها فقالَ: كونِي آنَسَ طيرٍ وأنعمَهُ وأكيَسَهُ.
وقوله تعالى: { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ } أي انْشِفِي الماءَ الذي خرجَ منكِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي } أي كُفِّي عن الصَّب، يقال: أقلعَتِ السماءُ إذا استمسكَ المطرُ حتى لم يبقَ له أثرٌ، وأقلعَتِ الْحُمَّى عن فلانٍ إذا تركتْهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَغِيضَ ٱلْمَآءُ }؛ أي ونَشِفَ الأرض ماؤُها، ويقال غاضَ الماءُ يَغِيضُ إذا غَارَ في الأرضِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ }؛ أي وقعَ هلاكُ الكفار على التَّمامِ، هَلَكَ مَن هلكَ، ونَجا مَن نَجَا. قال ابنُ عبَّاس: (نَشَّفَتِ الأَرْضُ مَاءَهَا الَّذِي خَرَجَ مِنْهَا، وَذهَبَ مَاءُ السَّمَاءِ إلَى الْبُحُورِ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ { يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ }).
قولهُ: { وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ }؛ أي استوَتِ السفينةُ على الجوديِّ شَهراً، وهو جبلُ بالجزيرةِ، { وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }؛ يجوزُ أن يكون معناه: قَالَ اللهُ تَعَالَى: { بُعْداً } أي سخطٌ من رحمة الله للقوم الكافرين، ويجوز أن يكون هذا مِن قول أهلِ السفينة حين نَجَوا من الغرقِ، وخرَجُوا من السفينةِ، قالوا: { بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي أبعَدَهم اللهُ من رحمتهِ في الآخرة أيضاً.