قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ }؛ قال سعيدُ بن جبير: (وَجَدَ الْخَضِرُ غُلْمَاناً، فَأَخَذ غُلاَماً وَضِيْءَ الْوَجْهِ). قال ابنُ عبَّاس: (كَانَ مِنْ أحْسَنِهمْ وَأصْبَحِهمْ، فَأَخَذهُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَأصْرَعَهُ وَأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذبَحَهُ بالسِّكِّيْنِ، وَكَانَ غُلاَماً لَمْ يَبْلُغِ الْحِنْثَ).
وَقِيْلَ: إنهُ اجتذبَ رأسَهُ فقلعَهُ، وَقِيْلَ: نزعَ رأسَهُ من جسدهِ، وَقِيْلَ: رفصَهُ برجلهِ فقتلَهُ، وَقِيْلَ: ضربَ رأسَهُ فقتلَهُ، وكان اسمُ الغلامِ خشيود، وَقِيْلَ: جيشور. و{ قَالَ } لهُ موسى حين رأى ذلكَ منهُ: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ }؛ أي أقَتَلْتَ نفساً بريئةً من الذُّنوب، لَم تجب ما يوجبُ قتلَها. ومن قرأ (زَاكِيَةً) فمعناهُ: طاهرةً من الذُّنوب لَم تبلغِ الْحُلُمَ، { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }؛ أي قَطِيعاً مُنْكَراً لا يعرفُ في شَرْعٍ.
وقد اختلفُوا في هذا الغلامِ أنَّهُ كان بالِغاً أم لَم يكن بالغاً، إلاّ أن قولَهُ (بغيرِ نفسٍ) فيه دليلٌ على أنه بالغاً، لأن غيرَ البالغِ لا يُقْتَلُ، وإن قَتَلَ غيرَهُ، وكان هذا الغلامُ يقطعُ الطريقَ، ويلجأُ إلى أبويهِ فيحلفان دونَهُ، وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: "إنَّ الْغُلاَمَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبعَ كَافِراً" .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } أي مُنْكَراً عظيماً. قال القتيبي: (النُّكُرُ أبْلَغُ مِنَ الإمْرِ فِي الإنْكَارِ؛ لأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أشَدُّ مِنْ خَرْقِ السَّفِيْنَةِ)، وقالَ الزجَّاجُ: (الإمْرُ أبْلَغُ فِي الإنْكَارِ؛ لأَنَّ خَرْقَ السَّفِيْنَةِ يُوجِبُ غَرَقَ أهْلِهَا، وَذلِكَ أعْظَمُ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }؛ ظاهرُ المعنى.