خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
١٦٨
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
١٦٩
-البقرة

التفسير الكبير

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً }؛ أي من الزروع والأنعامِ وغير ذلك مما أحلَّ الله لكم. والطيبُ صفة للحلال؛ وهما واحدٌ، ويجوز أن يكون الحلالَ الْمُسْتَلَذَّ. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ }؛ أي لا تسلكوا طريقَهُ التي يدعوكم إليها.
وقيل: نزلت هذه الآية في ثقيفٍ وخُزاعة وبني عامر بن صعصعة؛ كانوا يُحَرِّمُونَ الْبَحِيْرَةَ والسائبةَ والوصيلة والحام وبعض الحروثِ.
ووجه دخول (من) التي هي للتبعيض: أن كل ما في الأرض لا يُمكن أكله ولا يحلُّ. وقوله تعالى { حَلاَلاً طَيِّباً } انتصبا على الحال. وقيل: على المفعول؛ أي كُلوا حلالاً طيباً مما في الأرض.
وقولهُ: { خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } قرأ شيبةُ ونافع وعاصمٌ في رواية أبي بكرٍ، والأعمش وحمزة وأبي عمرٍو؛ وابنِ كثير في رواية: بسكونِ الطاء في جميع القرآن. وقرأ قُنْبُلُ وحفصٌ: بضم الخاء والطاء في جميع القرآنِ. وقرأ عليٌّ رضي الله عنهُ وسلامٌ عليه: بضمِّ الخاء والطاءِ وهمزة بعد الطاء. وقرأ أبو السمَّال العدويُّ وعبيدُ بن عميرٍ: (خَطَوَاتِ) بفتح الخاء والطاء.
فمن أسكنَ الطاءَ بقَّاهُ على الأصلِ؛ وطلب الْخِفَّةَ؛ لأنه جمعُ خطوةٍ بإسكان الطاء، ومن ضمَّ الطاء فإنه اتبع ضمة الخاء ضمة الطاء مثل ظُلمة وظُلُمات وقربة وقُرُبات. ومَن همَزَ الواو مع الضم ذهبَ بها مذهبَ الخطيئةِ، ومن فتح الخاء والطاء فإنه أرادَ جمعَ خطوةٍ مثل ثَمَرات.
واختلفَ المفسرونَ في قولهِ: { خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } فعنِ ابن عبَّاسٍ: (أنَّ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ عَمَلُهُ). وقال مجاهدُ وقتادة والضحاك: (خَطَايَاهُ). وقال الكلبيُّ والسديُّ: (طَاعَتُهُ). وقال عطاءٌ: (زَلاَّتُهُ وَشَهَوَاتُهُ). وقال الْمُؤَرِّجُ: (آثَارُهُ). وقال القُتََبيُّ والزجَّاج: (طُرُقُهُ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }؛ أي بيِّنُ العداوةِ، وقيل: مظهرُها قد بَانَ عداوتهُ بإبائه السجودَ لأبيكم آدم وغروره إياه حين أخرجه من الجنة. ثم بيَّن الله عداوته فقال: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ }؛ أي بالإثم والمعاصي، وقيل: السوءُ: ما يجب به التعزيز؛ والفحشاء: ما يجب به الحدُّ. وقيل: كل ما كان في القرآن من الفحشاء فهو زناًّ، إلا قوله تعالى:
{ { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } [البقرة: 268] فإنه منع الزكاة. وقيل: الفحشاء: ما قُبحَ من القول والفعل. وقال طاوُوس: (الْفَحْشَاءُ: مَا لاَ يُعْرَفُ فِي شَرِيْعَةٍ وَلاَ سُنَّةٍ). وقال عطاءُ: (هِيَ الْبُخْلُ). وقال السديُّ: (هِيَ الزِّنَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }؛ من تحريمِ الحرث والأنعام وغير ذلك؛ ومِن وصفكم اللهَ تعالى بالأنداد والأولاد، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. فإن قيل: كيفَ يصحُّ أنْ يأمرَ الشيطانُ وهو لا يشاهَد ولا يسمَع صوته؟ قيل: معنى يأمركم يدعوكم ويرغبكم كما يقول الإنسان: نفسي تأمرُني بكذا؛ أي تدعوني إليه.