خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٤٧
-البقرة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ }؛ وكان السببُ فيه على ما ذكره المفسرون: أن اشْمويل عليه السلام سألَ الله تعالى أن يبعثَ لَهم مَلِكاً، فأُتِي بعصَا وقرنٍ فيه دهنٌ، وقالوا له: إن صاحبَكم الذي يكون مَلِكاً طولهُ طول هذه العصا، وقيل له: انظر إلى هذا القرنِ الذي فيه الدهنُ، فإذا دخلَ عليك رجلٌ فَنَشَّ الدهنُ في القرنِ؛ فهو مَلِكُ بني إسرائيل فادهِن به رأسهُ وملِّكْه على بني إسرائيل. فقاسوا أنفسَهم بالعصا؛ فلم يكن أحدٌ منهم مثلها.
قال وهب: (وَكَانَ طَالُوتُ رَجُلاً دَيَّاناً). وقال عكرمةُ والسديُّ: (كَانَ يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ مِنَ النِّيْلِ، فَضَلَّ حِمَارُهُ؛ فَخَرَجَ فِي طَلَبهِ). وقال بعضُهم: ضَلَّتْ حُمولات لأبيهِ، فأرسلَهُ أبوه مع غلامٍ له يطلُبانها، فمرَّا ببيت اشمويل، فقال الغلامُ لطالوتَ: لو دخلنا على هذا النبيِّ فسألناه عن الحمولاتِ ليُرشدنا ويدعو لنا بخيرٍ. فقالَ طالوتُ: نفعل ذلكَ، فدخلاَ عليه، فبينما هما عنده إذ نَشَّ الدهنُ الذي في القرنِ فقام أشمويلُ وقاسَ طالوتَ بالعصا فكان على طولهِ، فقال لطالوت: قرِّب رأسكَ، فقرَّبه، فدهنه بذلك الدهن، ثم قال له: أنتَ ملكُ بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملِّككَ عليهم. فقال طالوتُ: أوَما عَلِمْتَ أن سِبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال: بَلَى، قال: فبأيِّ آيةٍ أكونُ أهلاً لذلك؟ قال: بآيةِ أنكَ ترجعُ إلى أبيك، وقد وجدَ أبوكَ حُمولاته، فرجعَ فكان كذلك.
ثم قالَ أشمويل لبني إسرائيلَ: (إنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً فَقَالُوا أنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بالْمُلْكِ مِنْهُ). وإنَّما قالوا ذلك لأنهُ كان في بني إسرائيل سِبطان؛ سِبْطُ نبوَّةٍ وسِبْطُ مَمْلَكَةٍ. وكان سِبط النبوة لاوي بن يعقوب ومنه موسى وهَارون، وسِبط المملكة سبط يهودا بن يعقوبَ ومنه كان دَاود وسليمان، ولم يكن طالوتُ من هؤلاء ولا من هؤلاء، وإنَّما هو من سبط بنيامين بن يعقوب، فمن أينَ يكونُ له الملكُ علينا ونحن أحقُّ بالملك منه. ومع ذلك هو فقيرٌ لم يؤتَ سَعَةً من المالِ ينفقهُ علينا كما يفعلهُ الملوك.
{ قَالَ }، أشمويل: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ }؛ أي اختارَهُ عليكم للملكِ، { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ }؛ أي فضَّله عليكم بالعلمِ؛ وذلك أنه كان أعلمَهم في وقته، فرفعهُ الله تعالى بعلمه. وقيل: كانَ عالماً بأمر الحرب، وكان طويلاً جسيماً وكان يفوقُ الناس بمنكبيه وعنقه ورأسهِ. وإنَّما سُمي طالوتَ لطولهِ وقوَّتهِ، فأعلمهم اللهُ تعالى أن العلمَ هو الذي يجبُ أن يقعَ به الاختيار، وأن الزيادةَ في الجسمِ مِمَّا يهيبُ به العدوّ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ }؛ أي يعطي مُلكه من يشاءُ، وهو جلَّ وعزَّ لا يشاءُ إلا الحكمةَ والعدل، فلا تُنكروا ملك طالوت مع كونهِ من غيرِ أهل الملكِ، وأن الملكَ ليس بالوراثةِ وإنَّما هو بيدِ الله يؤتيه من يشاءُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }؛ أي يوسعُ على من يشاء ويعلمُ أين ينبغي أن يكون الملكُ والسعةُ، وإنما قال: { وَاسِعٌ } بمعنى مُوسِعٌ، كما يقال: أليمٌ بمعنى مؤلِم. وقيل: معناهُ واسع الفضلِ، إلا أنه حذفَ الفضلَ كما يقال: فلان كبيرٌ؛ أي كبيرُ القدر. وأما طالوتُ وجالوتُ وداودَ، فاجتمعَ فيهم العجمة والتعريفُ؛ فلذلك لم ينصرفْ، فلو سَمَّيت رجلاً باسم جاموس لا ينصرفُ وإن كان أعجميّاً؛ لأنه قد تمكَّن في العربية؛ لأنك تدخلُ عليها الألف واللام فتقول: الجاموسُ.