خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ
٨٢
-النمل

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ }؛ معناهُ: وإذا وجبَ القولُ عليهم بالسُّخْطِ والعذاب عند قُرْب السَّاعة { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ }، فقال قتادةُ: (إذا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَأوْجَبَ أنْ يُنْزِلَ بهِمْ مَا قَالَ اللهُ وَحَكَمَ بهِ مِنْ عَذَابهِ وَسُخْطِهِ عَلَيْهِمْ) أي على الكُفَّار الذين تخرجُ عليهم الدَّابةُ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ } وذلك حين لا يُؤمَرُ بمعروفٍ ولا ينهَى عن منكرِ. قال مُخَلَّدُ بنُ الحسينِ: (لاَ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ حَتَّى لاَ يَبْقَى أحَدٌ يُرِيْدُ أنْ يُؤْمِنَ). قالوا: وتخرجُ الدَّابة من صَدْعٍ في الصَّفَا.
ورُوي أنه تخرجُ بين الصَّفَا والْمَرْوَةِ، ولا تُخْرِجُ إلاّ رأسَها وعنُقَها، فيبلغُ رأسُها السحابَ فيراها أهلُ المشرقِ والمغرب فيَسْمَعُونَ كلامَها باللِّسانِ، فتقولُ لَهم: أيُّها الكُفَّارُ مصيرُكم إلى النار، ثُم تُقبلُ على المؤمنينَ فتقولُ: أيُّها المؤمنونَ مصيرُكم إلى الجنَّةِ، فتُمَيِّزُ عند ذلك أهلَ الجنَّة مِن أهلِ النار.
ويجوزُ أن يكون قولهُ { تُكَلِّمُهُمْ } مِن الكَلْمِ وهو الْجَرَاحَةُ، كما رُوي في قراءةِ ابنِ عبَّاس (تَكْلِمُهُمْ) بنصب التاء وكسرِ اللام؛ أي تَسِمُهُمْ، تكتبُ على وجهِ الكافرِ: إنَّهُ كَافِرٌ، وعلى جَبينِِ المؤمن: إنَّهُ مُؤْمِنٌ.
قال أبُو هريرةَ: (إنَّهَا تَخْرُجُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ)، وعن ابنِ عَمرو بن العاص أنه قالَ: (تَكْتُبُ عَلَى وَجْهِ الْكَافِرِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ، فَتَعْثُوا فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَجْهُهُ، وَتَكْتُبُ عَلَى وَجْهِ الْمُؤْمِنِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ، فَتَعْثُوا فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَجْهُهُ، فَتَعْرِفُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ عِنْدَ ذلِكَ). وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنهُ قال: (إذا تَرَكَ النَّاسُ الأَمْرَ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِِ الْمُنْكَرِ كَانَ ذلِكَ الْوَقْتُ وَقْتُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَنَّ ٱلنَّاسَ }؛ قرأ أهلُ الكوفةِ ويعقوب (أنَّ النَّاسَ) بفتحِ الألفِ على وجه الحكايةِ من قولِ الدَّابة وعلى معنى: أخْرَجْنَا الدَّابَّةَ بأنَّ الناسَ { كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }؛ وقرأ الباقونَ بالكسرِ على الابتداء.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"بئْسَ الشِّعْبُ جِيَاد - مرَّتَين أو ثَلاثاً - قَالُوا: وَلِمَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ، فَتَصْرُخُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ يَسْمَعُهَا مِنْ بَيْنِ الْخَافِقَيْنِ" .
وقال بعضُهم: كنتُ مع ابنِ عبَّاس بمكَّة، فبينما هو على الصَّفا إذْ قَرَعَ الصَّفا بعصاةٍ وهو مُحْرِمٌ وهو يقولُ: إنَّ الدابةَ تسمعُ قَرْعَ عَصَايَ هذهِ، قال ابنُ عبَّاس: (هِيَ دَابَّةٌ ذاتُ زَغَبٍ وَريشٍ، ولَهَا أرْبَعَةُ قَوَائِمَ).
وعن أبي هريرةَ قَالَ: [تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، فَيَجْلُوا وَجْهُ الْمُؤْمِنِ بالْعَصَا، وَتَحْطِمُ وَجْهَ الْكَافِرِ بالْخَاتَمِ] والْمَحَاطِمُ هي الأُنُوفُ، واحِدُها مُحْطِمٌ بكسرِ الطَّاء، وعن حذيفةَ قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"دَابَّةُ الأَرْضِ طُولُهَا سُتُّونَ ذِرَاعاً لاَ يُدْركُهَا طَالِبٌ وَلاَ يَفُوتُهَا هَاربٌ" .
وعن ابنِ الزبير أنه وَصَفَ الدَّابةَ فقال: (رَأسُهَا رَأسُ ثَوْرٍ، وَعَيْنُهَا عَيْنُ خِنْزِيْرٍ، وأُذُنُهَا أُذُنُ فِيْلٍ، وَصَدْرُهَا صَدْرُ أسَدٍ، وَلَوْنُهَا لَوْنُ نَمِرٍ، وَذَنَبُهَا ذَنَبُ كَبْشٍ، وَقَوَائِمُهَا قَوَائِمُ بَعِيْرٍ، بَيْنَ كُلِّ مِفْصَلَيْنِ مِنْ مَفَاصِلِهَا اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعاً، مَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ).
وقال صلى الله عليه وسلم:
"تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنَ الصَّفَا، فَيَبْلُغُ صَدْرُهَا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَلَمْ يَخْرُجْ ذَنَبُهَا بَعْدُ، وَهِيَ دَابَّةٌ ذاتُ قَوَائِمَ وَبَر" . وعن ابن عمرَ أنه قال: (تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا، تَجْرِي كَجَرِي الْفَرَسِ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، وَمَا خَرَجَ ثُلُثُهَا).
وقالَ صلى الله عليه وسلم:
"بَيْنَمَا عِيْسَى عليه السلام يَطُوفُ بالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، إذْ تَضْطَرِبُ الأَرْضُ تَحْتَهُمْ حَتَّى يَتَحَرَّكَ الْقِنْدِيْلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَنْشَقُّ الصَّفَا مِمَّا يَلِي الْمَسْعَى، فَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ، فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ مِنْهَا رَأسُهَا، ذاتَ وَبَرٍ وَرَأسٍ لاَ يُدْركُهَا طَالِبٌ وَلاَ يَفُوتُهَا هَاربٌ، تُسَمِّي النَّاسَ مُؤْمِناً وَكَافِراً، أمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتْرُكُ وَجْهَهُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، وَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: مُؤْمِنٌ، وَأمَّا الْكَافِرُ فَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ، وَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ" .
وعن الحسَنِ: (أنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أنْ يُرِيَهُ الدَّابَّةَ، فَخَرَجَتْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ تَذْهَبُ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ تَخْرُجْ رجْلاَهَا، فَنَظَرَ مِنْهَا مَنْظَراً فَظِيْعاً؛ فَقَالَ: رَب رُدَّهَا، فَرَدَّهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } قال مقاتلُ: (تُكَلِّمُهُمْ بالْعَرَبيَّةِ، فَتَقُولُ: إنَّ النَّاسَ كَانُواْ بآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ، تُخْبرُ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ لَمْ يُؤْمِنُواْ بالْقُرْآنِ وَالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب).