خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ
٢٦
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
-القصص

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ }؛ أي قالَتْ إحداهُما وهي التي تزوَّجَها موسى: يا أبَتِ اتَّخِذْهُ أجيراً يرعَى لنا غنمَنا، فإنَّ خيرَ منِ استأجرتَ الذي يقوَى على العملِ، ويؤدِّي الأمانةَ.
فقال لَها أبُوهَا: وما عِلْمُكِ بقوَّتهِ وأمانتهِ؟ فقالت: أمَّا قوَّتهُ فإنه لَمَّا رأى أغنامَنا محبوسةً عن الماءِ، قال لنا: هل بقُربكُما بئرٌ؟ قلنا: نَعَمْ؛ لكن عليها صخرةٌ عظيمة لا يرفَعُها إلاّ أربعونَ رجُلاً، قال: انطَلِقا بي إليها، فانطلَقا به إليها، فأخذ الصخرةَ بيدهِ ونَحَّاهَا سَهْلاً من غيرِ كُلْفَةٍ. وأمَّا أمانتهُ فإنه قال لِي في بعضِ الطَّريق: إمْشِ خلفِي، فإنْ أخطأتُ الطريقَ فارْمِ قِبَلِي بحصاةٍ حتى أنْهَجَ نَهْجاً، فإنَّّا قومٌ لا ننظرُ إلى وراءِ النِّساء. ولِهذا المعنى قال عمرُ رضي الله عنه: (لاَ يَصْلُحُ لأُمُور الْمُسْلِمِيْنَ إلاَّ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَالرَّقِيْقُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ).
قال فلمَّا ذكرَتِ المرأةُ من حالِ موسى ازدادَ أبُوهَا رغبةً فيهِ و { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ }؛ أي على أن تَرْعَى غنَمِي، ويكون فيها أجْراً إلى ثَمان سِنين، { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ }؛ فهو بفَضْلٍ منكَ ليس بواجبٍ عليكَ، { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ }؛ في العشرِ، ولا أكلفَّكَ إلاّ العملَ المشروط، والمرادُ بالحِجَجِ السِّنين. قَوْلُهُ تَعَالَى: { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }؛ مِمن وافَقَ فِعْلَهُ. وَقِيْلَ: ستجدُنِي إن شاءَ اللهُ من الوَافِيْنَ بالعهدِ، الْمُحسِنينَ الصُّحبةَ.
فـ { قَال } مُوسَى لشعيب: { ذَلِكَ }؛ الشرط { بَيْنِي وَبَيْنَكَ }؛ يعني الذي وصفتَ وشَرَطْتَ على ذلك، وما شرطتَ لِي مِن تزويجِ إحداهما عَلَيَّ فلي، والأمر بيننا. وثم السلام. ثُم قال: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ }؛ أيُّ الأجلَين من الثَّمانِ أو العَشْرِ، { قَضَيْتُ }؛ أي أتْمَمْتَ وفَرَغْتَ، { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ }؛ أي لا ظُلْمَ ولا حرجَ ولا كُلفَةَ. قال الفرَّاء: (مَا) صِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ }.
وقولهُ تعالى: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }؛ أي شهيدٌ على ما عَقَدَ بعضُنا على بعضٍ. قال ابنُ عبَّاس: (وَاللهُ شَهِيْدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ).
وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ:
"سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقَالَ: أوْفَاهُمَا وَأبْطَئُهُمَا" . وعن أبي ذرٍّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَإذا سُئِلْتَ عَنْ أيِّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقُلْ: خَيْرُهُمَا أوْ أبَرُّهُمَا، وَإنْ سُئِلْتَ أيُّ الْمَرْأتَيْنِ تَزَوَّجَ؟ فَقُلِ الصُّغْرَى مِنْهُمَا وَالَّتِي جَاءَتْ فَقَالَتْ: يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ" .