قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ }؛ معناهُ: مَا أصَابَكُمْ يا معشرَ المسلمين يوم أحُدٍ يَوْمَ الْتَقَى جيشُ المسلمينَ، وجيشُ المشركينَ يومَ أحُدٍ من القتلِ والْجُرُوحِ والهزيْمَةِ فَبعِلْمِ اللهِ وقضائِه وإرادته، ويقالُ: أرادَ بالإذنِ: التَّخْلِيَةَ بين المؤمنينَ والكفَّار، وإلاَّ فاللهُ لا يُؤْذِنُ بالمعصيةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ }؛ أي لِيُرِي المؤمنينَ؛ وقيل: لتعلَمُوا أنتُم أنَّ الله قد عَلِمَ نِفَاقَهُمْ، وأنتُم لَمْ تكونوا تعلمونَ ذلك، والمعنى: لِيَرَى اللهُ إيْمَانَ المؤمنينَ بثبوتهم على ما نَالَهُمْ، ويرَى المنافقين بفَشَلِهِمْ، وقلَّةِ صبرهم على ما يَنْزِلُ بهِ في ذاتِ الله تعالى. { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ }؛ ذلكَ أنَّ عبدَاللهِ بن أبَيّ وأصحابَه لَمَّا رجعوا إلى المدينةِ قال لَهم عبدُالله بنُ جبيرٍ: (تَعَالُواْ إلَى أحُدٍ وَقَاتِلُواْ فِي طَاعَةِ اللهِ وَادْفَعُواْ فِي أنْفُسِكُمْ وَأَهْلِكُمْ وَحَرِيْمِكُمْ)، فقال المنافقون: لا يكونُ قتالٌ اليومَ، ولو نعلمُ أن يكونَ قتالٌ لكنَّا معكُم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ }؛ أي كانوا قبلَ ذلك القولِ عند المؤمنين أقربَ إلى الإيْمانِ بظاهرِ حالِهم؛ ثُم هَتَكُوا سَتْرَهُمْ وأظهروا مَيْلَهُمْ إلى الْكُفْرِ؛ فصارُوا في ذلكَ اليومِ أقربَ إلى الكفرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ }؛ كنايةٌ عن كَذِبهِمْ في قولِهم { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ }. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }؛ أي بما يُخفون من الشِّركِ.