قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ}؛ أي لا يُحزِنُكَ ولا يُعْجِبُكَ، {تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ}؛ إمتدادُ هذه الآيةِ خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ والمرادُ به أصحابَه؛ كأَنَّهُ قالَ: لاَ يَغُرَّنَّكَ أيُّهَا السامعُ ذهابَ اليهودِ ومجيئَهم في تجاراتِهم ومكاسبهم في الأرضِ؛ منفعةٌ يسيرةٌ في الدُّنيا تنقطعُ وتفنى؛ {ثُمَّ مَأْوَاهُمْ}؛ مصيرُهم إلَى؛ {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ}؛ أي بئْسَ الفراشُ النارُ.
وقيل: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يغرُّه شيءٌ لتحذيرِ الله إيّاه عن الاغترار بشيء وتأديبُه إيَّاه. وقيل: نزلت في مشركِي العرَب؛ كانوا في رَخَاءٍ من العيشِ، وكانُوا يَنْحَرُونَ ويتنعَّمون، فقال بعضُ المؤمنينَ: إن أعداءَ الله فيمَا نَرَى من الخيرِ؛ ونحنُ قد هَلَكْنَا من الجوعِ والجهدِ، فَنَزلتْ هذه الآيةُ.
وقرأ يعقوب: (لاَ يَغُرَّنْكَ) بإسكانِ النون. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ} أي تصرُّفهم في الأرضِ للتجَارات والبياعَات وأنواعِ المكاسب. وقوله: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ} أي متاعٌ قليلٌ فَانٍ. قال النخعيُّ: (إنَّ الدُّنْيَا جُعِلَتْ قَلِيْلاً؛ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا إلاَّ قَلِيْلٌ مِنْ قَلِيْلٍ).