قَوْلُهُ: { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ }؛ أي بُخْلاءَ عليكمُ بأنفُسِهم وأموالِهم، لا ينفقونَ شيئاً منها في سبيلِ الله ونُصرةِ المؤمنين. ثُم أخبر عن جُبْنِهِمْ فقالَ تعالى: { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ }، من الخوفِ والفَزَعِ كما تدورُ أعْيُنُ الذي يحضرهُ الموت فيُغشَى عليهِ، ويذهبُ عقله ويَشخَصُ بصرهُ فلا يطرفُ، كذلك هؤلاءِ تَشْخَصُ أبصارُهم وتُحَارُ أعينُهم لِما يلحَقُهم من الخوفِ، { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ }؛ أي بَسَطُوا ألسِنَتَهم وأرسَلُوها، طاغِينَ عليكم. قال الفرَّاء: (مَعْنَاهُ: آذوْكُمْ بالْكَلاَمِ وَعَضُّوكُمْ بأَلْسِنَةٍ سَلِيْطَةٍ ذربَةٍ) يُقَالُ: خَطِيْبٌ مِسْلاَقٌ إذا كَانَ بَلِيْغاً فِي خِطَابهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ }؛ أي بُخْلاءَ بالغَنيمةِ، يخاصِمُون فيها ويُشَاحُّونَ المؤمنينَ عليها عند القِسْمَةِ، فيقولونَ: أعْطُونَا فلَسْتُمْ أحقَّ مِنَّا! وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ }؛ أي هُم وإنْ أظهَرُوا الإيْمانَ ونَافَقُوا فليسوا بمؤمنينَ، { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ }؛ أي أبْطَلَ جهادَهم وثوابَ أعمالِهم؛ لأنه لَم يكن في إيْمانٍ، { وَكَانَ ذَلِكَ } الإحباطُ، { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }؛ قال مقاتلُ: (مَعْنَى الآيَةِ: فَإذا ذهَبَ الْخَوْفُ وَجَاءَ الأَمْنُ وَالْغَنِيْمَةُ، سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَادٍ؛ أيْ بَسَطُواْ ألْسِنَتَهُمْ فِيْكُمْ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَنِيْمَةِ، وَسَيَقُولُونَ: أعْطُونَا فَلَسْتُمْ أحَقَّ بهَا مِنَّا! فَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْسِ وَالْقِتَالِ فَأَجْبَنُ قَوْمٍ وَأخْذلُهُمْ، وَأمَّا عِنْدَ الْغَنِيْمَةِ فَأَشَحُّ قَوْمٍ).