خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٥١
وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٥٢
-سبأ

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ }؛ ولو ترَى يا مُحَمَّدُ الكفَّار، يعنِي عندَ البعثِ، فلا يُمكِنُهم الغَوْثُ ولا الْهَرَبُ مِن ما هو نازلٌ بهم، لرأيتَ ما يُعْتَبَرُ به غايةَ الاعتبار. ومعنى الآيةِ: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } عند البعثِ فلا يَفُوتُونَنِي؛ أي لاَ يَفُوتُنِي أحدٌ ولا ينجُوا منِّي ظالِمٌ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }؛ يعنِي من القُبُور حيثُ كانوا، فَهُمْ مِن اللهِ قريبٌ لا يبعُدونَ عنه ولا يَفُوتُونَهُ. تعني هذه الآيةِ؛ قال بعضُهم: أرادَ بقولهِ { إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } مما أصَابَهم يومَ بدرٍ عند القتالِ. وقال بعضُهم: أرادَ به يومَ القيامةِ إذ فَزِعُوا مِن مُشاهدَةِ عذاب جهنَّم، وعلِمُوا أنَّهم لا يفُوتُونَ للهَ، وأُخِذُوا بالعذاب مِن مكانٍ قريبٍ إلى جهنَّم فقُذِفُوا فيها.
{ وَقَالُوۤاْ }، عندَ رُؤيَةِ العذاب: { آمَنَّا بِهِ }، أي آمَنَّا باللهِ تعالَى وبرسُولهِ، يقولُ اللهُ تعالى: { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }؛ أي أينَ لَهم تَنَاوُلُ ما أرادُوا بُلُوغَهُ مِن مكانٍ بعيد، يعني مِن الآخرةِ وقد تركوهُ في الدُّنيا؟ يعني أنَّهم قد تَعَذرَ عليهم تناولُ الإيْمانِ كما يتعذرُ على الإنسانِ تناوُلُ النُّجومِ.
والتَّنَاوُشُ هو التَّنَاوُلُ، نِشْتُهُ أنُوشُهُ نَوْشاً، إذا تَنَاوَلَهُ، كأنَّهُ قالَ: وأنَّى لَهُمُ التوبةُ. وَقِيْلَ: ما يتَمَنَّوْنَ. قال ابنُ عبَّاس: (يَتَمَنَّوْنَ الرَّدَّ حِيْنَ لاَ رَدَّ).
قرأ أبُو عمرٍو والأعمشُ وحمزة والكسائيُّ وخلف: (التَّنَاؤُشُ) بالمدِّ والهمزةِ، وهو الإبطاءُ والبُعْدُ؛ أي مِن أينَ لَهم أن يتحرَّكُوا فيما لا حيلةَ لَهم فيهِ. يقالُ: أنَشْتُ الشَّيءَ؛ إذا أخذتهُ مِن بعيدٍ، والنَّيْشُ: الشيءُ البطيءُ. وقرأ الباقونَ بغيرِ همزةٍ من التَّناوُلِ، يقالُ: نِشْتُهُ إذا تناوَلتهُ، وَتَنَاوَشَ القومُ في الحرب إذا تدَانَوا وتناولَ بعضُهم بعضاً.
واختارَ أبو عُبيد تركَ الهمزِ؛ لأنه قالَ: (مَعْنَاهُ مِنَ التَّنَاوُلِ، فَإذا هُمِزَ كَانَ مَعْنَاهُ الْبُعْدُ فكيف يقول: { وَأَنَّىٰ لَهُمُ } البُعْدُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيْدٍ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } يعني أنَّهم يريدونَ أنْ يتناوَلُوا التوبةَ، وقد صَارُوا في الآخرةِ، وإنَّما تُقْبَلُ التوبةُ "في الدنيا" وقد ذهبَتِ الدُّنيا فصارت بعيداً مِن الآخرةِ.