قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ}؛ وإذا وُعِظُوا بالقرآنِ لا يتَّعظون، {وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ}؛ إذا رأوا معجزةَ مثلَ انشقاقِ القَمَرِ وغيره اتَّخذوهُ سُخرِيَةً، ونسَبُوا ما دلَّهم على توحيدِ الله تعالى إلى السِّحرِ، {وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}. وقالوا أيضاً على وجهِ الإنكار: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا}؛ صِرْنا؛ {تُرَاباً وَعِظَاماً}؛ بَالِيَةً، {أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}؛ أي أنُبعَثُ بعدَ الموتِ، {أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ}؛ الذين مضَوا قبلَنا، {قُلْ}؛ لَهم يا مُحَمَّد: {نَعَمْ}؛ تُبعَثون {وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ}؛ أنتُم وآباؤُكم؛ أي وأنتم أذلاَّءُ صاغِرُون، والدُّخُورُ أشَدُّ الذُّلِّ.
ثم ذكَرَ أنَّ بعثَهم يقعُ بزَجرَةٍ واحدةٍ؛ أي بصَيحَةٍ واحدةٍ، فإذا هم قيامٌ ينظُرون ماذا يُؤمَرون به، وقولهُ تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ}؛ أي فإنَّما قضيةُ البعثِ صيحةٌ واحدة من إسرافيلَ، يعني نفخةَ البعثِ، {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ}؛ أي بُعِثَ الذي كذبوا به.
فلما عايَنُوا البعثَ ذكَرُوا قولَ الرسُلِ في الدُّنيا أنَّ البعثَ حقٌّ، فدَعَوا بالويلِ، {وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا}؛ من العذاب، {هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ}؛ أي هذا يومُ الحساب والجزاء نُجازَى فيه بأعمالِنا. فقالت الملائكةُ: {هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ}؛ يومُ القضاءِ، {ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}؛ يُفْصَلُ به بين الْمُسِيءِ والْمُحْسِنِ، والْمُحِقِّ والْمُبْطِلِ، وهو اليومُ الذي كنتم به تكذِّبون في الدُّنيا.