خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ
٢١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ
٢٢

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ }؛ اختلَفُوا في خَطِيئَةِ داودَ عليه السلام والذي هو مستفيضٌ بين العوَامِّ ما ذكرَهُ الكلبيُّ: (أن داودَ عليه السلام كان يُصَلِّي ذاتَ يومٍ في محرابه، والزَّبُورُ منشورٌ بين يدَيهِ، إذ جاءَهُ إبليسُ في صُورةِ حَمامةٍ من ذهَبٍ فيها كلُّ لونٍ حَسَنٍ، فوقفت بين يديهِ فمَدَّ يدَهُ ليأخُذها، فطارَتْ غيرَ بعيدٍ من غيرِ أن توَسِّد من نفسِها، فامتدَّ إلَيها ليأخُذها فطارت حتى وقعَتْ في الكُوَّة، فذهبَ ليأخُذها فطارَتْ من الكوَّة، فجعلَ داودُ عليه السلام ينظر أين تقعُ، فأبصرَ امرأةً في بُستان تغتسلُ، وإذا هي من أعجَب النِّساء وأحسَنِهنَّ، وأعجبتهُ، فلما حانَتْ منها التفاتةٌ أبصرَتْهُ فأسبَلَتْ شعرَها على جسمِها فغطَّى بدنَها، فزادَهُ ذلك إعجاباً بها. فسألَ داود عنها وعن زوجِها، فقالوا اسمها تشايعُ بنت شائعٍ وزوجُها أوريَّا بن حنانا وهو غائبٌ في غُزَاةٍ بالبلقاء مع أيُّوب بن صوريا ابنِ أُخت داود، فكتبَ داودُ إلى ابنِ أُخته: اذا أتاكَ كِتَابي هذا فابعَثْ أوريا إلى موضعِ كذا وإلى القلعةِ الفلانيَّة، ولا يرجِعُوا حتى يفتَحوها أو يُقتلوا. فلما جاءَ الكتابُ نَدَبَهُ وندبَ الناسَ معه، فأتَوا القلعةَ فلما أتَوْها رمَوهُم بالحجارةِ حتى قَتلُوهم وقُتِلَ أوريا معهم. فلما انقضت عدَّتُها تزوَّجَها داودُ عليه السلام، فهي أمُّ سليمان.
فلما دخلَ داودُ عليه السلام بها، فلم يلبَثْ إلاَّ يسِيراً حتى بعثَ عليه مَلَكين في صُورةِ آدَميَّين، فطلبَا أن يدخُلا عليهِ فوجداهُ في يومِ عبادتهِ، وكان مِن عادتهِ أنَّهُ جَزَّأ الدهرَ يوماً لعبادتهِ؛ ويَوماً لنسائهِ؛ ويوماً للقضاءِ بين النَّاسِ.
فلما جاءَ الملَكان في يومِ عبادته منَعَهُما الحرسُ من الدخولِ عليه، فتَسوَّرُوا المحرابَ؛ أي دخَلُوا عليه مِن فوق المحراب، { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ }، فلم يشعُرْ وهو يصلِّي إلاّ وهُما بين يدَيه جالِسَين، { فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ }، ففَزِعَ منهما، فقالا: لا تَخَفْْ يا داودُ نحنُ، { خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ }؛ أي ولا تَجُرْ، قال السدِّيُّ: (وَلاَ تُسْرِفْ)، وقال المؤرِّج: (وَلاَ تُفْرِّطْ).
وقرأ أبو رجَاء (تَشْطُطْ) بفتح التاءِ وضمِّ الطاء الأُولى من الشَّطَطِ، والإشْطَاطُ مجاوزةُ الحدِّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ }؛ أي وَأرْشِدْنَا إلى الطريقِ المستقيم.