خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
٥٩
-النساء

التفسير الكبير

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ }؛ أي أطيعُوا اللهَ تعالى فيما أمَرَ؛ وأطيعُوا الرسُولَ فيما بَيَّنَ. وَقِيْلَ: أطيعُوا اللهَ في الفرائضِ، وأطيعُوا الرسولَ في السُّنَنِ.
وقولهُ تعالى: { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } قال عكرمةُ: (هُوَ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:
"اقْتَدُوا مِنْ بَعْدِي بأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ" ، "وَإنَّ لِي وَزَيْرَيْنِ فِي الأَرْضِ؛ وَوَزيْرَيْنِ فِي السَّمَاءِ، فَبالسَّمَاءِ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ، وَبالأَرْضِ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ" ، "عِنْدِي بمَنْزِلَةِ الرَّأسِ مِنَ الْجَسَدِ". وقال الورَّاق: هُمْ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٌّ لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "الْخِلاَفَةُ بَعْدِي فِي أرْبَعَةٍ مِنْ أُمَّتِي: أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ" وقال عطاءُ: هُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَالتَّابعُونَ بإحْسَانٍ لقولهِ تعالى: { { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } [التوبة: 100] الآية. وَقِيْلَ: هم أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما قالَ: "أصْحَابي كَالنُّجُومِ؛ بَأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ"
]. وقال جابرُ بن عبدِالله والحسنُ والضحَّاك ومجاهدُ: (هُمُ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ أهْلُ الدِّيْنِ وَالْفَضْلِ) الَّذِيْنَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَعَالِمَ دِيْنِهِمْ؛ وَيَأَمُرُونَهُمْ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَأَوْجَبَ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُمْ. قال ابنُ الأسودِ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنَ العِلْمِ، فَالْمُلُوكُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ، وَالْعُلَمَاءُ حُكَّامٌ عَلَى الْمُلُوكِ). وقال أبو هريرةُ: (هُمْ وُلاَّةُ الْمُسْلِمِيْنَ). وقال الكلبيُّ ومقاتلُ: (هُمْ أمَرَاءُ السَّرَايَا، كَانَ صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ سَرِيَّةً أمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، وَأَمَرَهُمْ أنْ يُطِيْعُوهُ وَلاَ يُخَالِفُوهُ).
والأظهرُ مِن هذه الأقاويلِ: أن المرادَ بهم العلماءُ لقولهِ تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ }؛ أي فإنِ اخْتَلَفْتُمْ في شيءٍ من الحلالِ والحرام والشرائعِ والأحكام، فردُّوه إلى أدلَّةِ الله وأدلَّة رسولهِ، وهذا الردُّ لا يكون إلاّ بالاستدلالِ والاستخراج بالقياسِ؛ لأن الموجودَ في نصِّ الكتاب اذا عُلِمَ وَعُمِلَ به لا يوصفُ بأنه رَدٌّ إلى الكتاب، وإنَّما يقالُ: هو اتِّبَاعٌ للنَّصِّ، وغيرُ العلماءِ لا يعلمونَ كيفيَّةَ الردِّ إلى الكتاب والسُّنة ولا دلائلِ الأحكامِ، والجواب قولهُ تعالى: { إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }؛ دليلٌ على أن الإيْمَانَ اتِّبَاعُ الكتاب والسُّنة والإجماعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }؛ أي رَدُّ الخلافِ إلى اللهِ والرسول خيرٌ من الإصرار على الاختلافِ وأحسنُ عاقبةً لكم، ويقالُ: أحسنُ تأويلاً من تأويلِكم الذي تُؤَوِّلُونَهُ من غيرِ رَدِّ ذلكَ إلى الكتاب والسُّنة. وعن عمرَ رضي الله عنه أنه قالَ: (الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ).