خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١١
-الفتح

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } أخبرَ اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه إذا رجعَ من الحديبيةِ إلى المدينةِ، أتاهُ الأعرابُ الذين يخلِفُون عنه بغيرِ عُذرٍ، ولم يَخرُجوا معه وهم مُزَينَةُ وجُهَيْنَةُ وغطَفَانُ وقومٌ من الدَّيلِ، فيقولون له: شَغَلَتْنَا أموالُنا وأهلُونا عن الخروجِ معك يا محمد، أي شغلَتنا النساءُ والذراري فلم يكن لنا مَن يخلِفُنا فيهم، { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا }؛ من التخلُّفِ عنكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ }؛ أي يسأَلُون المغفرةَ بأَلسِنَتِهم { مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } يعني: لأنَّهم لا يُبَالُونَ أسْتَغْفَرْتَ لَهم أمْ لم تستغفِرْ لَهم.
وقد كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أرَادَ الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبيَةِ، اسْتَنْفَرَ مَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الأَعْرَاب وَأهْلِ الْبَوَادِي لِيَخْرُجُوا مَعَهُ حَذراً مِنْ قُرَيْشٍ أنْ يُحَاربُوهُ وَيَصْرِفُوهُ عَنِ الْبَيْتِ، وَأحْرَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بالْعُمْرَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ لِيُعْلِمَ النَّاسَ أنَّهُ لاَ يُرِيدُ حَرْباً، فَتَثَاقَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الأَعْرَاب وَقَالُواْ: نَذْهَبُ مَعَهُ إلَى قَوْمٍ قَدْ جَاءُوا يَقْتُلُونَ أصْحَابَهُ فَيُقَاتِلُهُمْ، فَتَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَاعْتَلُّوا بالشُّغْلِ، فأنزلَ اللهُ تعالى: { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } الآيةُ.
قًوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً }؛ معناهُ: مَن يمنعُكم من عذاب الله إنْ أقَمتُم على الكفرِ والنفاق، { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }؛ معناهُ: بل كان اللهُ عالِماً بتخلُّفِكم عن القتالِ من غير عُذرٍ.
قرأ حمزةُ والكسائي وخلفٌ (ضُرّاً) بضم الضاد وهو سُوءِ الحالِ، وقرأ الباقون (ضَرّاً) بفتح الضادِ لأنه قابَله بالنفعِ، وأرادَ بالنفعِ الغنيمةَ. وذلك أنَّهم ظَنُّوا أن تَخلُّفَهم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يدفعُ عنهم الضُّرَّ، ويعجِّلُ لهم النفعَ بالسلامةِ في أنفسهم وأموالِهم، فأخبرَهم اللهُ تعالى أنه إنْ أرادَ بهم شيئاً لم يقدِرْ أحدٌ على دفعهِ عنهم.