خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
-الحجرات

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا }؛ "نزلَ ذلك في الأَوْسِ والخزرَجِ بسبب الكلامِ الذي جرَى بين عبدِالله بن أُبَي رأسِ المنافقين وعبدِالله ابن رَوَاحة لَمَّا اسْتَبَّا جَاءَ قوْمُ هَذا فَاقْتَتَلُواْ بالنِّعَالِ وَالتَّرَامِي بالْحِجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ سَيْفٌ.
وَسَبَبُ اخْتِصَامِهِمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ ذاتَ يَوْمٍ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَار وَهُوَ عَلَى حِمَارهِ، فبَالَ حِمَارُهُ وَهِيَ أرْضٌ سَبْخَةٌ، فَأَمْسَكَ عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٌّ آنْفَهُ وَقَالَ: إلَيْكَ عَنِّي فَوَاللهِ لَقَدْ آذانِي نَتَنُ حِمَاركَ. فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: وَاللهِ لَنَتَنُ حِمَار رَسُولِ اللهِ أطْيَبُ ريْحاً مِنْكَ.
فَغَضَّبَ لعَبْدِاللهِ بْنِ أُبَيٍّ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهٍ، وغَضِبَ لابْنِ رَوَاحَةَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاسْتَبُّواْ وَتَحَامَلَ أصْحَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِعَ أصْحَاب الآخَرِ، فَتَجَادَلُواْ بالأَيْدِي وَالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاصْطَلَحُواْ وَكَفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
وَأقْبَلَ بَشِيرُ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَاريُّ مُشْتَمِلاً عَلَى سَيْفِهِ فَوَجَدَهُمْ قَدِ اصْطَلَحُواْ، فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٍّ: أعَلَيَّ تَشْتَمِلُ بالسَّيْفِ يَا بَشِيرُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي أحْلِفُ بهِ لَوْ جِئْتُ قَبْلَ أنْ تَصْطَلِحُواْ لَضَرَبْتُكَ حَتَّى أقْتُلَكَ"
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } أي بالدُّعاء إلى حُكم اللهِ والرِّضا بما في كتاب اللهِ لهما وعليهما.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ }؛ أي طَلبت ما ليس لها ولم ترجِعْ إلى الصُّلح، { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ }؛ حتى ترجعَ عن البغيِ إلى كتاب اللهِ، والصُّلح الذي أمر اللهُ تعالى به.
والبغيُ هو الاستطالَةُ، والعدولُ عن الحقِّ وعمَّا عليه جماعةُ المسلمين. والطائفةُ الباغِيَةُ هي التي تطلبُ ما ليس لها أنْ تَطْلُبَهُ، قولهُ { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي حتى ترجعَ إلى طاعةِ اللهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ }؛ أي واعدِلُوا في الإصلاحِ بينهما، وفي كلِّ حكمٍ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }؛ أي يحبُّ الذين يَعدِلُون في حُكمِهم وأهلِيهم وما تولَّوهُ، الإقْسَاطُ في اللغة هو العَدْلُ، يقالُ: أقسَطَ الرجلُ إذا عَدَلَ، وقَسَطَ إذا جَارَ، ومنه قولهُ
{ وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15].
وعن ابنِ عُمر رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
"يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ؛ هَلْ تَدْري كَيْفَ حُكْمُ اللهِ فِيمَنْ يَفِيءُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: لاَ يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهَا وَلاَ يُقْتَلُ أسِيرُهَا وَلاَ يُطْلََبُ هَاربُهَا وَلاَ يُقْسَمُ فِيْهَا" .