خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
٧١
-المائدة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}؛ أي ظنُّوا ألاَّ يكون عَذاباً وعقوبةً، وَقِيْلَ: ابتلاءً بسبب قتلِهم الأنبياء وتكذيبهم الرسُلَ. من قرأ (يَكُونَ) بالنصب فمعنى (أنْ يَكونَ)، ومن قرأ بالرفعِ فمعناهُ: (أنَّهُ لاَ يَكُونُ) أي فحَسِبُوا أنَّ فعلَهم غيرُ فاتنٍ لهم، {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ}؛ عن الحقِّ؛ أي عَمِلُوا معاملةَ الأعمى الذي لا يُبصر، والأصمَّ الذي لا يسمعُ، فصاروا كالعُمْيِ والصُّمِّ. {ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ}؛ أي تجاوزَ عنهم بأن أرسلَ إليهم مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم يُعلِمُهم أنه قد تابَ عليهم إن آمَنُوا وصدَّقُوا فلم يؤمِنْ أكثَرُهم، ويقال: دَانُوا بعد ذلك وتابُوا من الكفرِ فقَبلَ اللهُ توبتَهم، فلمَّا بعثَ اللهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وجاءَهم ما عرَفُوا كفَرُوا بهِ، فذلك قولهُ: {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} أي عَمُوا عن الهدَى، وصَمُّوا عن الحقِّ بعد أنِ ازدادَ لهم الأمرُ وضوحاً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ}؛ بدلٌ من الواوِ في قوله {عَمُوا} كأنه قالَ: عَمِيِ وصَمَّ كثيرٌ منهم، وهذا كما يقالُ: جاءَني قومُكَ أكثرُهم، وقوله: {كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} يقتضي في المرة الثانيةِ أنَّهم لم يكفُروا بأكملِهم، وإنما كفَرَ أكثرُهم، كما قالَ تعالى:
{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } [آل عمران: 113] وقال تعالى: { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } [المائدة: 66].
ويُحكى عن بعضِ أهل اللُّغة جوابَ جمعِ الفعل متقدِّماً على الاسمِ، كما يقالُ: أكَلُونِي البراغيثُ، ويجوزُ أن يكون {كَثِيرٌ} خبرُ مبتدأ محذوفٍ؛ معناهُ: العميُ والصمُّ كثيرٌ منهم.
وقوله: {وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}؛ أي بما تعمَلون من التكذيب ونقضِ الميثاق وتحريف الكلام.