خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
١٥٢
-الأنعام

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }؛ أي لاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ الذي لا أبَ لهُ إلا لِحِفْظِه وتَمييزه وإصلاحِه، { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }. قال الشعبيُّ: (هُوَ بُلُوغُ الْحُلُمِ؛ حَيْثُ تُكْتَبُ الْحَسَنَاتُ وَتُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ).
وقال السُّدِّيُّ: (الأشَدُّ: أنْ يَبْلُغَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً). وقال الكلبيُّ: (مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً إلَى ثَلاَثِيْنَ سَنَةً). وجعل أبُو حَنِيْفَةَ غَايَةَ الأَشُدِّ: (خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً؛ فَإذا بَلَغَهَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْتُوهاً).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ }؛ أي أتِمُّوا الكَيْلَ والوزنَ بالعدلِ عند البيعِ والشِّراء، { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }؛ أي إلاَّ طاقَتَها وجَهْدَهَا. وهذه الآيةُ أصلٌ في جواز الاجتهاد في الأحكامِ، وإنَّ كلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيْبٌ؛ فإذا اجتهدَ الإنسانُ في الكيلِ والوزن، ووَقَعَتْ فيه زيادةٌ يسيرةٌ أو نقصان يسيرٌ لم يُؤَاخِذْهُ اللهُ به إذا اجتهدَ جهده، وإنه اعتاد الكيل على ذلك فزادَ أو نقص أثبت التراجع إذا كان ذلك القدر من التفاوت مما يقع بين الكيلين.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ }؛ أي إذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا في الْمَقَالَةِ. قِيْلَ: معناه: قولوُا الحقَّ إذا شهدتُم وحكمتُم ولو كان المشهودُ عليه أُوْلِي قرابةٍ من الشاهد.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ }؛ أي أتِمُّوا فرائضَ اللهِ التي أمرَكم بها، كما قالَ تعَالى:
{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ } [يس: 60]. ويقال: أرادَ بالعهدِ في هذه الآية: النَّذْرَ واليمينَ، كما قال تعالى: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } [النحل: 91]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }؛ أي في هذا الذي ذكَرَهُ اللهُ لكم وأمرَكم اللهُ به في الكتاب لكي تتَّعِظُوا فَتَمْتَنِعُوا عنِ الْمُحَرَّمَاتِ.