خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ
٤٤
-الأنعام

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ }؛ أي فلمَّا تَرَكُوا ما وُعِظُواْ به وأُمروا به { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } مِمَّا كان مُغْلَقاً عليهم من الخيرِ والرِّزق والخصب والمطر. وأخْصَبَتْ بلادُهم وَكَثُرَ خيرُهم، { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ }؛ أُعْجِبُوا؛ { بِمَآ أُوتُوۤاْ }؛ أي بما أُعطوا مِنَ النِّعَمِ والسِّعةِ وَالصِّحَّةِ؛ { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً }؛ أي فَجْأَةً بالعذاب بعد أن ابتليناهُم في النعمةِ والشدَّة؛ فلم يزدادوا إلا كُفراً، { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ }؛ أي فإذا هم عندَ نزول العذاب بهم آيسُونَ من كلِّ خير؛ متحسِّرون غايةَ الحسرَةِ. وَالْمُبْلِسُ: الْبَائِسُ الْحَزِِيْنُ الشَّدِيْدُ الْحَسْرَةِ، ويقالُ: هو المنقطعُ عن الحجَّةِ.
فإن قيل: لِمَ أنعمَ الله عليهم حين نَسَوا ما ذُكِّرُوا به؛ وهذا موضعُ العقوبة دون الإنعامِ؟ قيل فيه قولان: أحدُهما: أنه أنعمَ عليهم بالدعاءِ لَهم إلى الطاعة، فإن الدعاءَ إلى الطاعة تارةً يكونُ بالعنف والتشديد، وتارةً باللِّين والإنعامِ.
والثانِي: أنه إنَّما فعلَ ذلك بهم؛ لأنَّ من يُنْقَلُ من النعمةِ والراحة إلى العذاب يُجْمَعُ عليه العذابُ والحسرةُ على ما فَاتَهُ؛ فيكون ذلك أشدَّ عليه ممن ينقلُ من الشدَّة إلى العذاب.