قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا }؛ أي قل يا مُحَمَّد لكفَّار مكَّة الذين يدعونَكم إلى دينِ آبائهم: أنَعْبُدُ سِوَى اللهِ من الأصنام مَا لا يَنفَعُنَا إن عبدناهُ في رزقٍ ولا معاشٍ، وَلاَ يَضُرُّنَا إن تركناهُ في رزق ولا معاش، { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ }؛ عطفٌ على الاستفهامِ؛ أي كيف نرجعُ إلى الكفر بَعْدَ إذْ هَدَانَا اللهُ لدينه، وأكْرَمَنَا بمعرفتهِ، فيكونُ مَثَلُنَا؛ كَـ؛ مَثَلِ؛ { كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ }؛ فأذهبَهُ؛ { فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ }؛ ضَالاً، لا يقالُ: كالذي زَيَّنَتْ له الشياطيينُ هواهُ؛ فهو يعملُ في الأرضِ بالمعاصي. وقيل: معناهُ: كالذي اسْتَفْرَسَتْهُ الغِيْلاَنُ في الْمَهَامَةِ فأضَلُّوهُ؛ فهو حَائِرٌ. و(حَيْرانَ) نُصِبَ على الحال.
قرأ الأعمش وحمزة: (كَالَّذِي اسْتَهْوَاهُ) بالألفِ والإِمالة، وقرأ طلحةُ بالألف، وقرأ الحسنُ: (اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ). وفي مصحفِ عبدِاللهِ: (اسْتَهْوَاهُ الشَّيْطَانُ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا }؛ أي لهُ أصحابٌ يدعونَه إلى الطريقِ المستقيم: أنِ ائْتِنَا وَاتَّبعْنَا؛ فإنَّا على الطريقِ، فأبَى أن يأتِهم ويطيعَهم.
وقيل: إن الآيةَ نزلت في عبدِالرحمن بن أبي بكرٍ حين دعا أباهُ إلى الكفر، فأنزلَ اللهُ تعالى: { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا }. وقولهُ: { كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ } هو عبدُالرَّحمن بن أبي بكرٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } قيل: كان أمُّهُ وأبوهُ يدعوانِه إلى الإِسلام، وكان الشياطينُ والكفَّار يُزَيِّنُونَ له الكفرَ إلى أن مَنَّ الله عليه بعد ذلك بقَبُولِ الإِسلامِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ }؛ أي قُلْ لَهُمْ: إنَّ دينَ الله هو الإسلامُ؛ وأمَرَنَا لِنُخْلِصَ العبادةَ؛: { لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.