خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ
٩٨
-الأنعام

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ }؛ أي أنشأَ خلقكُم من نفسِ آدمَ عليه السلام وحدِها؛ فإنه خَلَقَنَا جميعاً منهُ، وخلقَ أُمَّنا حَوَّاءَ من ضِلع من أضلاعِ آدم عليه السلام، وإنَّما مَنَّ علينا بهذا؛ لأنَّ الناسَ إذا رجعوا إلى أصلٍ واحد كانوا أقربَ إلى أن يَأْلَفَ بعضُهم بعضاً.
وَقَوْلُهُ تَعَالى: { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ }؛ قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (فَمُسْتَقِرٌّ) بكسر القاف على معنى فَمنكم مُسْتَقِرٌّ، وقرأ الباقون بفتحها على معنى: ذلك مُسْتَقَرٌّ. قال ابن عبَِّاس: (مَعْنَى قَوْلُهُ: { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } أي مُسْتَقَرٌّ فِي أرْحَامِ الأُمَّهَاتِ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أصْلاَب الآبَاءِ). وقال بعضهُم على الضدِّ من هذا، إلا أنَّ لفظ الـ (مُسْتَقَرُّ) فيمَن خَلَّفَ، كلفظِ المستودَع فيمَن لَمْ يَخَلِّفْ أقربُ.
وقال ابنُ مسعُودٍ: (مَعْنَاهُ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ إلَى أنْ يولَدَ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الْقَبْرِ إلَى أنْ يُبْعَثَ). وقال الحسنُ: (مُسْتَقَرٌّ فِي الدُّنْيَا، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي القَبْرِ). وقال مجاهدُ: (فَمُسْتَقَرٌّ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ فِي الدُّنْيَا، وُمسْتَوْدَعٌ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ). وقال أبو العاليَة: (مُسْتَقَرُّهَا أيَّامُ حَيَاتِهَا، وَمُسْتَوْدَعُهَا حِيْنَ تَمُوتُ وَحِيْنَ تُبْعَثُ). وقال بعضُهم: مُسْتَقَرٌّ في الرَّحم، ومستقرُّ فوقَ الأرضِ، ومستقرُّ تحت الأرضِ، اقرأ:
{ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [الحج: 5] و { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [البقرة: 36]. وقيل: المستقرُّ في القبرِ، والمستودعُ في الدنيا. قال الحسنُ: (يا ابْنَ آدَمَ، أنْتَ وَدِيْعَةٌ فِي أهْلِكَ، وَيُوشِكُ أنْ تَلْحَقَ بصَاحِبكَ، وَأنْشَدَ قَوْلَ لَبْيدٍ:

وَمَا الْمَالُ وَالأَهْلُونَ إلاَّ وَدِيْعَةُ وَلاَ بُدَّ يَوْماً أنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ

وقال آخرُ:

فُجِعَ الأَحِبَّةُ بالأَحِبَّةِ قَبْلَنَا وَالنَّاسُ مَفْجُوعٌ بهِ وَمُفَجَّعُ
مُسْتَقِرٌّ أوْ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ خَلاَ وَالْمُسْتَقِرُّ يَزُورُهُ الْمُسْتَوْدَعُ

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ }؛ أي بيَّنا العلاماتِ الدالاَّت على توحيدِ الله مفصَّلةً، { لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }؛ أي لقوم يستدلُّون بمعانِي الآيَات.
والفِقْهُ في اللُّغة: هو الْفَهْمُ لِمَعْنَى الْكَلاَمِ، إلا أنه قد جُعِلَ في العُرْفِ عبارةً عن عِلْمِ الغيب، على معنى أنهُ استدراكُ معنى الكلامِ بالاستنباطِ عن الأُصُولِ، ولِهذا لاَ يَجُوزُ أن يوصفَ الله تعالى بأنه فَقِيْهٌ؛ لأنه يوصَفُ بالعلمِ، والعلمُ حجَّةُ الاستنباطِ، ولكنه عَالِمٌ بجميعِ الأشياء على وجهٍ واحد.