خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٤٣
-الأعراف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }؛ أي نَزَعْنَا ما في قلوبهم من غِشِّ وحَسَدِ وَعَدَاءِ بعضِهم على بعضٍ في الدُّنيا، وألْقَيْنَا في قلوبهم التَّوَادُدَ في الآخرةِ حتى لا يَحْسُدُ بعضُ أهلِ الجنَّة بعضاً أعلى درجةً منه. قَوْلُهُ تَعَالَى: { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ }؛ أي مِن تحتِ شجرِهم وغُرَفِهِم الأنْهَارُ في حال نزعنا ما في قلوبهم؛ تكونُ (تجري) في موضعِ الحال.
قال ابنُ عبَّاس: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّار بْنِ يَاسِرٍ وسَلْمَانَ وأبي ذرٍّ، يَنْزِعُ اللهُ فِي الآخِرَةِ مَا كَانَ فِي قُلُوبهِمْ مِنْ غِشٍّ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْعَدَاوَةِ وَالثِّقَلِ الَّذِي كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالأَمْرُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيْهِ، فَيَدْخُلُونَ إخْوَاناً مُتَقَابلِيْنَ).
قال: (فَأَوَّلُ مَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ تُعْرَضُ لَهُمْ عَيْنَانَ تَجْرِيَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ أحَدِ الْعَيْنَيْنِ، فَيَذْهَبُ الْهَمُّ مِنْ غِلٍّ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْعَيْنَ الأُخْرَى، فَيَغْتَسِلُونَ فِيْهَا فَتُشْرِقُ ألْوَانُهُمْ، وَتُصْقَلُ وُجُوهُهُمْ، وَيَلْبَسُونَ بَهَاءَ النُّورِ، وَيُطَيِّبُ اللهُ رِيْحَهُمْ بهِ).
{ وَقَالُواْ }؛ فعندَ ذلك يقولون: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا }؛ أي أرشِدْنا إلى ما صِرْنَا به رَبُّنَا واغتسلنَا من العَيْنَيْنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ }؛ قرأ ابنُ عامرٍ: (مَا كُنَّا) بغير واو. وقرأ الباقون بالواوِ: (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ إلَى هَذا الذي أكْرَمَنَا اللهُ به لولاَ أنَّ اللهَ هدَانا إليهِ) وقال صلى الله عليه وسلم:
"كُلُّ أهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَوْلاَ هَدَانَا اللهُ، فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةٌ. وَكُلُّ أهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزلَهُ فِي النَّار فَيَقُولُون: لَوْلاَ أنَّ اللهَ هَدَانَا"
]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ }؛ شهادةٌ منهم بإرسالهِ للحقِّ إليهم؛ أي جَاءُوا بالصِّدْقِ؛ فصدَّقناهُم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }؛ معناه: نادَتْهم الملائكةُ: أنَّ هذه الجنَّةُ التي وُعِدْتُمُوهَا في الدُّنيا بأعمالِكم. وَقِيْلَ: معنى { أُورِثْتُمُوهَا } أنْزِلْتُمُوهَا. وفي الخبرِ: أنه يقالُ لَهم يومَ القيامةِ: جُوزُوا الصِّرَاطَ بعَفْوِي؛ وادخلوُا الجنَّةَ برحمتِي لا بأعمالِكُم.