خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ
١٢١
وَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ
١٢٢
وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
١٢٣
-هود

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } المكانة هي: المنزلة والقدر، يقول: اعملوا أنتم على مكانتكم ومنزلتكم التي لكم عند أتباعكم، كأنه يخاطب به الأشراف منهم والرؤساء { إِنَّا عَامِلُونَ } على المكانة والمنزلة التي لنا عند الله فننظر أينا أرجح؟ نحن أو أنتم؟ وأينا أخسر نحن أو أنتم؟
وقوله - عز وجل -: { ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ } يخرج على وجهين:
أحدهما: على التوبيخ والتخويف عندما بالغ في الحجاج فلم ينجع فيهم، فقال عند ذلك كقوله:
{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6] ونحوه.
والثاني: على الإعجاز مما أرادوا به من المكر والكيد بقوله: اعملوا ما تريدون وأنا أعمل.
وقوله - عز وجل -: { وَٱنْتَظِرُوۤاْ } أنتم بنا ذلك { إِنَّا مُنتَظِرُونَ } بكم ذلك.
أو يقول هذا لما كانوا يوعدونه ويخوفونه من أنواع الوعيد، فيقول: انتظروا بنا ذلك ما تخوفوننا إنا منتظرون بكم ما نخوفكم نحن، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال بعض أهل التأويل: ولله غيب نزول العذاب وغيب ما في الأرض؛ كأنه خرج جواب ما سألوه من العذاب؛ كقوله:
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 53] وكقوله: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 48] وقوله: { ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [العنكبوت: 29] فقال: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: علم ذلك عند الله، وكقوله: { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [الأنعام: 58] وأمثاله.
ويشبه أن يكون جواب ما تحكموا على الله من إنزال القرآن، وجعل الرسالة في غيره كقولهم:
{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] و { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [الفرقان: 32] فقال: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ... } الآية [الزخرف: 32]، وقال: { ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] فعلى ذلك قوله: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } لا إلى الخلق، والله أعلم بما أراد { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } إليه يرجع أمر الخلق كله وتدبيرهم { فَٱعْبُدْهُ } أي: اعبده في خاص نفسك { وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } في تبليغ الرسالة إليهم، أي: لا يمنعنك كيدهم ومكرهم بك عن تبليغ الرسالة، ولا تخافن منهم، فإن الله يحفظك من كيدهم ومكرهم بك؛ كقوله: { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] و { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } هذا يؤيد ما ذكرناه؛ أي: ما ربك بغافل عما يريدون بك من كيدهم ومكرهم؛ بل يعلم ذلك، وينصرك، وينتصر منهم، وهو كقوله لموسى وهارون: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 44-46] أي: اسمع قوله وجوابه [إياكما، وأرى ما يفعل، أي: أنصركما فلا تخافا؛ فعلى ذلك الأول، والله سبحانه وتبارك وتعالى أعلم].