خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ
٢٦
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ
٢٧
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ
٢٨
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ
٢٩
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
٣٠
-الرعد

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ }.
يرغبهم فيما عنده ويؤيسهم عما في أيدي الخلق، ويقطع رجاءهم عن ذلك؛ لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان به، ويحملهم على تكذيب الرسل؛ وترك الإجابة - هذه الأموال التي كانت في أيدي أولئك، وبها [رأوا دوام] الرياسة والعز والشرف لهم في هذه الدنيا؛ فقال: هو الباسط لذلك؛ والقاتر لا أولئك، هو يوسع على من يشاء، ويقتّر على من يشاء؛ ليس ذلك إلى الخلق، وذكر أنه يبسط الرزق لمن يشاء من أوليائه وأعدائه، ويقتر على من يشاء من أعدائه وأوليائه، ليعلموا [أن] التوسيع في الدنيا والبسط لا يدل على الولاية، ولا التقتير والتضييق على العداوة، ليس كما يكون في الشاهد؛ يوسع على الأولياء ويبسط، ويضيق على الأعداء؛ لأن التوسيع في الدنيا والتضييق بحق المحنة وفي الآخرة، بحق الجزاء، ويستوي في المحنة الولي والعدوّ، ويجمع بينهما في المحنة؛ ويفرق بينهما في الجزاء.
وقوله - عز وجل -: { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }.
يحتمل قوله: { وَفَرِحُواْ } صلة ما تقدم؛ وهو قوله: { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ... } إلى قوله: { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ }، ويفرحون بالحياة الدنيا.
ثم الفرح يحتمل وجوهاً:
يحتمل: فرحوا بالحياة الدنيا؛ أي: رضوا بها؛ كقوله:
{ وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [يونس: 7] أي: فرحوا، سروراً بها.
فإن قيل: إن المؤمن قد يسرّ بالحياة الدنيا؟
قيل: يُسَرّ ولكن لا يُلْهيه سروره بها؛ ولا يغفل عن الآخرة، وأما الكافر: فإنه لشدة سروره بها وفرحه عليها؛ يلهى عن الآخرة؛ وعن جميع الطاعات. وهكذا [العرف في] الناس أنه إذا اشتد بالمرء السرور بالشيء؛ فإنه يلهى عن غيره ويغفل عنه.
أو يكون قوله: { وَفَرِحُواْ } أي: أشروا وبطروا؛ كقوله تعالى:
{ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76] وهو الأشر والبطر. والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ }.
تأويله - والله أعلم - أي: ما الحياة الدنيا - مع طول تمتعهم بها بتمتع الآخرة - إلا كمتاع ساعة أو كمتاع شيء يسير؛ وهو كقوله:
{ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا } [النازعات: 46] وكقوله: { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [الأحقاف: 35] يظنون - مع طول ما متعوا في هذه الدنيا - عند متاع الآخرة كأنهم ما متعوا بها إلا ساعة؛ فعلى ذلك قوله: { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ }، وهو ما ذكر في موضع آخر: { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } [التوبة: 38] عند متاع الآخرة؛ لأن متاع الآخرة ونعيمها دائم متصل غير منقطع؛ لا يشوبه آفة ولا حزن ولا خوف، ومتاع الدنيا منقطع غير متصل؛ مشوب بالآفات والأحزان؛ لذلك كان قليلا عند متاع الآخرة ونعيمها.
وقال بعض أهل التأويل: { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } أي: إلا لهو وباطل لكن الوجه فيه ما ذكرنا.
وقوله - عز وجل -: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ }.
يحتمل سؤالهم الآية أنفس الآيات التي أتت بها الرسل من قبل قومهم، أو سألوا آيات سموها، كقوله:
{ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا... } الآية [الإسراء: 90] { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ... } [الإسراء: 93] إلى آخر ما ذكر من الآيات، سألوها منه، أو سألوه آيات تضطرهم وتقهرهم على الإيمان؛ كقوله: { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4].
وفيه دلالة أنه لو شاء لأنزل عليهم آيات؛ لآمنوا كلهم بها، واهتدوا، وعنده أشياء لو أعطاهم لكان ذلك سبب اهتدائهم وتوحيدهم؛ وكذلك لو أعطى أشياء لكان ذلك سبب كفرهم جميعاً؛ كقوله:
{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ... } الآية [الزخرف: 33] لكنه لا ينزل الآية على شهواتهم وأمانيهم، ولكن ينزل أشياء؛ تكون عند النظر والتأمل حجة؛ فمن تأمّل فيها وتفكرّ لاهتدى وآمن بالاختيار، ومن أعرض عنها ولم يتفكر ضل وزاغ بالاختيار.
ويحتمل قوله:
{ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } [الشعراء: 4] أي: [إن نشأ] إيمانهم واهتداءهم ننزل عليهم آية، وذلك تأويل قوله على أثر سؤالهم الآية.
{ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }.
أي: ينزل من الآيات ما يهتدي بها المنيب إليها والمقبل، ويضل المعرض عنها؛ والصادر بالاختيار، ويكون اهتداؤهم باختيارهم؛ [وضلالهم باختيارهم]؛ لا بالاضطرار والقهر؛ ألا ترى أنه قال: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } وهو القرآن الذي أنزله على رسوله؛ فهو وصف المقبل المنيب إلى ذكر الله؛ يسكن وتطمئن قلوبهم بالتأمل والتفكر فيها وأصله أن الله - عز وجل -: شاء اهتداء من علم أنه يختار الاهتداء والإيمان، وشاء ضلال من علم أنه يختار فعل الضلال والزيغ، يشاء [لكل]؛ لما علم منه أنه يختار ذلك.
وقوله - عز وجل -: { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } وتسكن إليه.
وقال بعض أهل التأويل: هو في الحلف في الخصومات؛ ألا في الحلف بالله؛ [تطمئن وتسكن] قلوب الذين آمنوا لا تطمئن بالحلف بغير الله.
وقال بعضهم: ألا بالقرآن؛ وبما في القرآن من الثواب، تسكن وتطمئن قلوب الذين آمنوا.
ويشبه أن يكون قوله: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } أي: تفرح وتستبشر قلوب الذين آمنوا بذكر الله ألا بذكر الله تستبشر وتفرح قلوب الذين آمنوا؛ لأنه ذكر في الكفرة الفرح بالحياة الدنيا؛ وهو قوله:
{ وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [يونس: 7] وذكر في المؤمنين الاستبشار والفرح بذكر الله، وفي أولئك ذكر أن قلوبهم تشمئز بذكر الرحمن وتستبشر بذكر من دونه؛ وهو قوله: { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر: 45] أخبر الله تعالى أن قلوب المؤمنين تستبشر وتفرح بذكر الله، وقلوب أولئك تستبشر [وتفرح] بذكر من دونه.
وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } يخرج على وجهين:
أحدهما: تطمئن قلوبهم بذكر الله لهم، وذكر الله لهم التوفيق والتسديد والعصمة، ونحوه.
والثاني: تطمئن قلوبهم بذكرهم الله، وذكرهم الله: إحسانه ونعمه وعظمته وجلاله، ونحوه.
وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }.
[طوبى] قيل: خير لهم وغبطة، وقيل: حسنى لهم ونعمى لهم، وقيل: يقال: طوبى لك؛ إن أصبت خيراً، وقيل: هم اسم الجنة بلسان الحبشة؛ وقيل: بالهندية، وقيل: اسم شجرة في الجنة أصلها في دار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأغصانها في دار أمته، فإن كان هذا، وهو اسم شجرة؛ فذلك لا يستقيم إلا [على تقدمه كان] أهل الكتاب؛ ادعوها لأنفسهم؛ فأخبر أنها للذين آمنوا لا لهم كقولهم:
{ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111] [ثم] قال - عز وجل -: { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } [البقرة: 112] ادعوا الجنة لأنفسهم؛ فأخبر أنها ليست لهم؛ ولكن للذي أسلم وأخلص وجهه لله؛ فعلى ذلك يشبه أن يكونوا ادعوا طوبى لأنفسهم فأخبر أنها ليست لهم، ولكن للذين آمنوا.
وإن كان في مشركي العرب؛ فهم ينكرون البعث والجنة والنار، فيشبه أن يكونوا قالوا: إن كان بعث على ما تقولون وجنة وطوبى؛ فهي لنا؛ كقوله:
{ لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [الكهف: 36].
وقال بعضهم: { طُوبَىٰ }: كلمة مدح الله ثوابهم، وغبطهم بها.
وقال بعضهم: { طُوبَىٰ }: كرامة أعد الله لأوليائه، وهي مذكورة في الكتب.
وقوله - عز وجل -: { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ }.
أي: كما أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [وقال كل واحد من الرسل]: { رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ... } الآية أي: كل رسول كان أرسل قبلك كان أمر أن يقول ما ذكر؛ كذلك أرسلناك إلى قومك رسولا، وإن كانوا يكفرون بالرحمن؛ فقل أنت ما قال أولئك الرسل: { رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ... } الآية، لم تخل أمة عن رسول؛ كقوله:
{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24].
{ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يشبه أن يكون هذا صلة قوله:
{ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [الرعد: 7] [يقول: أرسلناك لتتلو أنباء الرسل والأمم الذين كانوا من قبلك عليهم؛ ليكون آية] لرسالتك؛ ليعلموا أنك إنما علمت تلك الأنباء بالله تعالى.
وقوله - عز وجل -: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ }.
يقول: والله أعلم - هم يكفرون بالرحمن؛ وفي كل الخلائق آية توحيد الرحمن وألوهيته؛ ولا في كل الخلائق آية لرسالتك، وهم مع ذلك كله يكفرون بالرحمن؛ فعلى ذلك يكفرون بآيات رسالتك.
وقال أبو بكر الأصم: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } هو صلة قوله:
{ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [الرعد: 7] وكانوا هم أهل التعبد من الكبراء؛ فقال: لو جئتهم بقرآن سيرت به الجبال؛ أو قطعت به الأرض؛ أو كلم به الموتى، يقول: لو جئت بذلك كله كان أمرهم التكذيب والعناد؛ وهو كقوله: { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ... } الآية [الأنعام: 111] وقوله: { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ... } الآية [الحجر: 14] يخبر - عز وجل - عن عنادهم أنهم لا يؤمنون بالآية - وإن عظمت - إلا أن يشاء الله.
وقوله - عز وجل -: { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } كقوله:
{ مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الأنعام: 111] أي: الأمر لله؛ من شاء أن يؤمن فيؤمن، ومن شاء ألا يؤمن فلا يؤمن ألبتة.
وقال بعضهم: [قوله:] { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } أي: يكفرون باسم الرحمن؛ لأنهم قالوا: إن محمداً كان يدعونا إلى عبادة الله وتوحيده فالساعة يدعونا إلى عبادة الرحمن وألوهيته؛ فذلك عبادة اثنين؛ فقال: { قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي: دعائي إلى عبادة الرحمن وألوهيته وهو دعائي إلى عبادة الله، وهو واحد ليس هو باثنين ولا عدد؛ كقوله:
{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [الإسراء: 110] أي: عدد الأسماء لا يوجب عدد الذات؛ إذ يكون لشيء واحد في الشاهد أسماء مختلفة؛ فاختلاف الأسماء لا يوجب اختلاف الذات؛ فعلى ذلك في الله تعالى.
وقال بعضهم: { ٱلرَّحْمَـٰنَ } اسم من أسماء الله في الكتب الأول، قالوا: كتبها رسول الله؛ أبوا أن يقرءوا به، قالوا: وما الرحمن، إنا لا نعرفه؟ فنزل: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ }. والله أعلم.