خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
١
ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٢
ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٣
-إبراهيم

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { الۤر كِتَابٌ }: الر: كناية عن حروف مقطعة جعلها - بالحكمة - كتاباً.
{ أَنزَلْنَاهُ }: أي: جمعناها [وأنزلناها] وجعلناها كتاباً؛ أعني تلك الحروف المقطعة كتاباً؛ وأنزلناه إليك بعدما لم تكن تدري ما الكتاب؛ وهو كما قال:
{ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [الشورى: 52]؛ وقوله: { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [العنكبوت: 48].
{ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ }.
وما يضاف الإخراج إلى الله فإنه يكون بإعطاء الأسباب، وحقيقة ما يكون به الأفعال، وهي القدرة، وما يضاف الإخراج إلى الرسل؛ فإنه لا يكون إلا بإعطاء الأسباب؛ لأنه لا يملك أحد سواه إعطاء ما به يكون الفعل، ثم الأسباب تكون بوجهين:
أحدهما: الدعاء إلى ذلك.
والثاني: ما أتي بهم من البيان والحجة على ذلك؛ فهو الأسباب التي يملك الرسل إتيانها، و
أما ما به حقيقة الفعل؛ فإنه لا يملكه إلا الله.
وقوله: { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } قيل: من الكفر إلى الإيمان، سمى الكفر: ظلمات؛ وهو واحد؛ لأنه يستر جميع منافذ الجوارح؛ من البصر والسمع واللسان؛ يبصر ما لا يصلح؛ ويسمع ما لا يصلح، وكذلك القول: يقول ما لا يصلح، وكذلك جميع الجوارح والإيمان يرفع ويكشف جميع الحجب والستور؛ ويضيء له كل مستور.
والثاني: قوله: { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ } أي: من الشبهات إلى النور؛ أي: إلى الإيمان والهدى.
وقوله: { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } الإخراج المضاف إلى الله والهداية تخرج على وجوه أربعة:
أحدها: يأمر ويدعوهم إلى ما ذكر.
والثاني: يكشف ويبين.
والثالث: يرغب ويرهب، حتى يرغبوا في المرغوب ويحذروا المرهوب.
والرابع: تحقيق ما يكون به الهداية؛ وذلك لا يكون إلا بالله؛ وهو التوفيق والعصمة، وأما الوجوه الثلاثة الأُول فإنها تكون برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يأمر ويدعو؛ ويرغب ويرهِّب؛ ويبين ويكشف. والله أعلم.
وقوله: { الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } كأنه قال: كتاب أنزلناه إليك؛ لتأمر الناس بالخروج مما ذكر إلى ما ذكر.
الثاني: أنزلناه لتخرج به الناس مما ذكر.
{ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ }.
قيل: بأمر ربهم؛ أي: تدعوهم بأمر ربهم.
وقال قائلون: بعلم ربهم؛ أي: أنزل هذه الحروف المقطعة بعلمه.
والثالث: يحتمل بتوفيق ربهم الإذن من الله، يحتمل [أحد] هذه الوجوه التي ذكرنا: الأمر والعلم والتوفيق.
وقوله - عز وجل -: { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ }.
[العزيز الحميد] هو الله؛ أي: يدعوهم إلى طريق الله الذي من سلكه نجا.
{ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } سمي عزيزاً؛ لأن كل عزيز به يعز، أو يقال: عزيز؛ لأنه عزيز بذاته ليس بغيره كالخلائق، أو العزيز: هو الذي لا يغلب، والحميد: هو الذي لا يلحقه الذم في فعله؛ كالحكيم: هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره.
وقال أهل التأويل: العزيز: المنيع، والحميد: الذي [هو] يقبل اليسير من العبادة.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }.
من قرأ بالخفض صيّره موصولا بالأول، وجعله كلاماً واحداً؛ وأتبع الخفض بالخفض. ومن قرأ بالرفع: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي } جعله مقطوعاً عن الأول [على] حق الابتداء؛ فقال: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }.
ذكر قوله: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }؛ ليعلم أنه بما يأمر الخلق؛ ويدعوهم إلى دينه؛ ويمتحنهم بأنواع المحن لا يفعل ذلك لمنافع نفسه أو لحاجته في ذلك؛ بل لحاجة الممتحنين ولمنافعهم.
وقوله - عز وجل -: { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }.
قال قائلون: الويل: [هو] الشدة، وقيل: الويل: هو اسم وادٍ في جهنم.
وقال الأصم: الويل: هو نداء كل مكروب وملهوف من شدة البلاء، وقول الحسن كذلك.
وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ }.
وصف أولئك الذين ذكر أن فيهم الويل من هم؛ فقال: { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } أي: آثروا واختاروا الحياة الدنيا على الآخرة؛ أي: رضوا بها واطمأنوا فيها؛ كقوله:
{ وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [يونس: 7] اختاروا الحياة الدنيا للدنيا؛ لم يختاروا للآخرة؛ فالدنيا أنشئت لا للدنيا ولكن إنما أنشئت للآخرة؛ فمن اختارها لها؛ لا ليسلك بها إلى الآخرة - ضلّ وزاغ عن الحق.
وقوله: { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } [وهو ما ذكرنا]: يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة؛ حتى يلهوا عن الآخرة؛ ويسهوا فيها ويغفلوا، وإلا أهل الإسلام ربما يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وهو ما ذكرنا: أنهم يختارون ذلك للآخرة، وأولئك للدنيا.
وقوله - عز وجل -: { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }.
يحتمل { وَيَصُدُّونَ }: وجهين:
أحدهما: أعرضوا هم بأنفسهم.
والثاني: صرفوا الناس عن سبيل الله؛ الذي من سلكه نجا، [لكن] إنما يتبين ويظهر ذلك بالمصدر صدَّ يصدُّ صدّاً: صرف غيره، وصدَّ يصدّ صدوداً: أعرض هو بنفسه.
{ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً }.
أي: طعناً وعيباً فيه، دلَّ هذا على أن الآية في الرؤساء منهم والقادة الذين كانوا يصدون الناس عن سبيل الله ويبغون في دين الله الطعن والعيب؛ فما وجدوا إلى ذلك سبيلا قط.
وقوله - عز وجل -: { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }.
الضلال: يحتمل وجوهاً:
يحتمل: (الضلال): أي: هلكوا هلاكاً لا نجاة فيه قط.
ويحتمل الحيرة والتيه؛ أي: تحيروا فيه وتاهوا حتى لا يهتدوا أبداً.
ويحتمل (الضلال) البطلان؛ أي: في بطلان بعيد؛ حتى لا يصلحوا أبداً، وهو في قوم علم الله أنهم لا يهتدون أبداً؛ ويختمون على الضلال، والله أعلم.