خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً
٩٠
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً
٩١
أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً
٩٢
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً
٩٣
-الإسراء

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ... }.
إلى آخر ما ذكر من الأسئلة، يشبه أن تكون هذه الأسئلة جميعاً من فريق واحد.
ويجوز أن يكون من كل فريق سؤال، لم يكن ذلك من غيره من الفرق؛ كقوله:
{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } [البقرة: 135] كان من كل فريق غير ما كان من الآخر؛ كان من اليهود: كونوا هوداً تهتدوا، ومن النصارى: كونوا نصارى تهتدوا؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأوّل كذلك.
ثم إن الذي حملهم على هذه الأسئلة المحالة الفاسدة وجوه:
أحدها: سؤاله بما كان يعدهم رسول الله الجنان؛ والأنهار الجارية، والبساتين المثمرة إن هم تابوا وأجابوا، وكان يعدهم العقوبات إن تركوا إجابته من إسقاط السماء كسفاً كقوله:
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ... } الآية [البقرة: 210]، سألوه ذلك استعجالاً منهم؛ على الاستهزاء، كقوله: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 18]، أو أن يكون أهل الكتاب علموا مشركي العرب الذين لا كتاب لهم هذه الأسئلة الفاسدة المحالة التي عرفوا أنهم لا يجابون فيها ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فإنه لا يجيبهم ليرى [السفلة منهم والأتباع أن لو كان رسولاً لأجابهم؛ فيتمادون في طغيانهم وضلالتهم، ويبغون عليهم ثم عليه.
أو أن يكون الرؤساء منهم والقادة سألوه عن ذلك، على علم منهم أنه لا يجيبهم؛ ليرى] أتباعهم وسفلتهم أنهم قد حاجّوا رسول الله، واعترضوا لحججه وبراهينه لئلا ينظروا إلى حججه وبراهينه؛ لتبقى لهم الرئاسة والمنافع التي كانت لهم، ولا يذهب ذلك عنهم.
ثم بين أن أسئلتهم التي سألوها سؤال تعنت عن عناد لا سؤال استرشاد، وحاجة - ما ذكر في قولهم: { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً }.
وقوله - عز وجل -: { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ }.
دل هذا كله أن سؤالهم إياه كله سؤال معاندة، لا سؤال استرشاد واستهداء؛ لأنه لو كانوا يسألون ما يسألون سؤال استرشاد واستهداء، لكانوا لا يسألون إسقاط السماء عليهم؛ إذ لا منفعة لهم في ذلك وإن في سؤالهم الجنة منفعة، ويذكر سفه القوم وتعنتهم وسوء معاملتهم رسول الله.
ثم الحكمة والفائدة في جعل سفههم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة؛ ليعرف المتأخرون معاملة السفهاء إذا بلوا بهم أن كيف يعاملونهم [بمثل] معاملة رسول الله؟!
وقوله - عز وجل -: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } أمره أن [ينزه ربّه عن أن يكون لأحد الاحتكام عليه والحكم، والذي سألوه احتكام منهم على الله.
وفي قوله: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }].
ينزه ربه عن أن يملك سواه ما سألوا من إتيان الجنة وغير ذلك مما ذكر في الآية، والله أعلم.
قوله - عز وجل -: { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }.
أي: هل كنت إلا بشراً كغيره من الرسل الذين كانوا من قبل من البشر، فلم يسألوهم بمثل الذي تسألونني أنتم من الأسئلة.
أو إن سألوا ذلك فلم يجابوا، كقوله:
{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } [البقرة: 108]، أو أن يكون قوله: { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }، أي: ليس للرسول أن يعترض على المرسل بشيء، إنما على الرسول تبليغ ما أرسل وأمر بتبليغه.
أو يقول: إني لا أملك مما تسألونني سوى تسبيح ربي وتنزيهه.
وقوله: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } أي: تعاظم ربي، وتعالى عن أن يكون لعباده عليه احتكام أو اختيار.
وقال أبو عوسجة والقتبي: الينبوع: العين، والينابيع: جمع؛ والكسفة: القطعة، والكسف: جمع.
وقال غيره: الكِشف - بالجزم -: عذاب، وكسفاً مثل قطعاً، [قال أبو عوسجة: { قَبِيلاً }، أي: معاينة، وقال: هو من المقابلة.
و { بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ }، أي: من زينة.
وقال أبو عوسجة: المزخرف: المزين، يقال: زخرفت البيت، أي: زينته.
{ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ }، أي: تصعد.
{ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ }، أي: لارتقائك، وهو من الارتفاع.
وقال بعضهم: { كِسَفاً } بالجزم، أي: جانبا، وكسفا: مثل: قطعا]. والله أعلم.