خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً
٨٨
لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً
٨٩
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً
٩٠
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً
٩١
وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً
٩٢
إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً
٩٣
لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً
٩٤
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً
٩٥
-مريم

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً }: قال بعضهم: الآية في مشركي العرب؛ لأنهم هم الذين قالوا: الملائكة بنات الله، لكن أهل التأويل قالوا أيضاً: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30]، فهو في كل من قال ذلك.
ثم قوله: { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } يخرج على الإضمار حين أخبر عنهم أنهم { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } أن قل لهم يا محمد: { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } أي: عظيماً منكراً.
أو أن يكونوا لما قالوا ذلك أقبل عليهم فقال لهم: لقد جئتم شيئاً عظيماً منكراً، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } قال بعضهم: مثل هذا إنما يقال على المبالغة في العظيم من الأمور والنهاية من الضيق والشدة على التمثيل.
يقول الرجل لآخر: أظلمت الدنيا عليه وضاقت عليه الأرض بما رحبت ونحوه، على الإبلاغ في الضيق والشدة؛ فعلى ذلك هذا ذكر على الإبلاغ والنهاية في العظيم من القول لما قالوا عنه سبحانه، ثم جعل مثل ما قالوا في العظيم لله بما يعظم من المحسوسات في العقول، وهو ما ذكر من انفطار السّموات وانشقاق الأرض وهدّ الجبال، وهنّ أصلب الأشياء وأشدها؛ ليعرفوا عظم ما قالوا فيه، وهكذا تعرف الأمور الغائبة التي سبيل معرفتها الاستدلال بالمحسوسات من الأشياء المشاهدات منها.
وجائز أن يكون ما ذكر من انشقاق الأرض وهدّ الجبال وانفطار السماء على حقيقة ما ذكر يكون فيها وإن لم يشاهد ذلك منها ولم يحس، كقوله:
{ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } [الأعراف: 143].
وقال قائلون: ذكر هذا في أهل السّماوات فثبت أنهم يكونون كما ذكر بما قالوا تعظيماً لذلك وإنكاراً، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }، أي: ما ينبغي له ولد { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }، وفي الشاهد لا أحد يتخذ الولد من عبيده، فكيف ينبغي لمن له ملك السماوات والأرض وكلهم عبيده - أن يتخذ ولداً من عبيده.
{ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }، وأسباب الأولاد التي بها يتخذ الولد ليست فيه؛ لأن في الشاهد إنما يتخذ الولد لثلاث، وقد ذكرناها في غير موضع، فإن كان الله - سبحانه - يتعالى عن ذلك كله، لم ينبغ له أن يتخذ الولد.
وقال بعضهم في قوله: { إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } في الآخرة، أي: كلهم يقرون بالعبودية له يومئذ.
وقوله - عز وجل -: { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً }:
يحتمل قوله: { أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } من عدّ أنفسهم وإحصائه، أي: لا يخفى عليه شيء.
أو أن يكون على الوعيد أن يحصى أقوالهم وأفعالهم بما سلط عليهم من الملائكة ما يراقبون ذلك منهم، كقوله:
{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18]، وقوله: { كِرَاماً كَاتِبِينَ } [الانفطار: 11] قال أبو عوسجة: الضدّ: الخصم، والإدّ السوق الشديد، وقوله: { شَيْئاً إِدّاً }، أي: شديداً، والورد، أي: يوردهم إياها، أي: يدخلهم، وقال: الورد: النصيب من الماء، وقوله: { هَدّاً } أي: صوتاً يهدّ، أي: يهدم.