خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٦
خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ
٧
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
٨
يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
٩
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
١٠
-البقرة

تأويلات أهل السنة

وقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.
هذا - والله أعلم - في قوم خاص، عَلِمَ الله أَنهم لا يؤمنون فأَخبر عز وجل رسولَه بذلك، فكان كما قال.
وفيه آية النُّبوَّة.
ويحتمل أَيضاً: أَنهم لا يؤمنون ما داموا في كفرهم؛ كقوله:
{ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258، آل عمران: 86، التوبة: 19، 109، الصف: 7، الجمعة: 5] والكافرون ما داموا كافرين ظالمون.
وقوله: { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }.
روي عن الحسن: "إن للكافر حدا إذا بلغ ذلك الحد، وعلم الله منه أنه لا يؤمن، طبعَ على قلبه حتى لا يؤمن".
وهذا فاسد على مذهب المعتزلة لوجهين:
أحدهما: أَن مذهبهم أَن الكافر مكلف، وإن كان قلبه مطبوعاً عليه.
والثاني: أن الله - عز وجل - عالم بكل من يؤمن في آخر عمره، وبكل من لا يؤمن أَبداً، بلغ ذلك الحد أَو لم يبلغ.
فعلى ما يقوله الحسن إيهام أَنه لا يعلم ما لم يبلغ ذلك.
والمعتزلةُ يقولون: إن قوله: { خَتَمَ }، و{ طَبَعَ } يُعلم عَلاَمةً في قلبه أَنه لا يؤمن كإعلام الكتب والرسائل.
ولكن عندنا: خلق ظلمة الكفر في قلبه.
والثاني: خلق الختم والطبع على قلبه [إذا فَعَل فِعْل الكفر؛ لأَن] فِعْل الكفر من الكافر مخلوق عندنا، فخلق ذلك الختم عليه؛ وهو كقوله:
{ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } [الإسراء: 46] أي: خلق الأَكنة. وغيرهِ من الآيات.
والأَصل في ذلك: أَنه ختم على قلوبهم لما تركوا التأَمل، والتفكر في قلوبهم فلم يقع، وعلى سمعهم لما لم يسمعوا قول الحق والعدل، خلق الثقل عليه، وخلق على أَبصارهم الغطاءَ لما لم ينظروا في أَنفسهم، ولا في خلق الله ليعرفوا زوالها وفناءَها وتغير الأحوال؛ ليعلموا أن الذي خلق هذا دائِم لا يزول أَبداً.
وقوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }.
إخبار منهم أنهم قالوا ذلك بأَلسنتهم قولا، وأَظهروا خلاف ما في قلوبهم؛ فأَخبر عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام: أَنهم ليسوا بمؤمنين، أي: بمصدقين بقلوبهم.
وكذلك قوله:
{ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41].
وكذلك قوله:
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... } الآية [النساء: 65].
هذه الآيات كلها تنقض على الكراميَّةِ؛ لأَنهم يقولون: الإِيمان قول باللسان دون التصديق. فأَخبر الله - عز وجل - عن جملة المنافقين أَنهم ليسوا بمؤمنين لما لم يأْتوا بالتصديق، وهذا يدل على أن الإِيمان تصديق بالقلب.
والكراميّة يقولون: بل هم مؤمنون.
وقوله: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا }.
لا يقصد أحد مخادعة الله، لكنهم كانوا يقصدون مخادعة المؤمنين، وأَولياءِ الله، فأَضاف الله عز وجل ذلك إلى نفسه؛ لعِظم قدرهم، وارتفاع منزلتهم عند الله؛ وهو كقوله:
{ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد: 7]، والله لا يحتاج أَن ينصر، ولكن كأَنه قال: إن تنصروا أولياء الله ينصركم؛ وهو كقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10] والله لا يُبايَع، ولكن إضافة ذلك إلى نفسه؛ لعظم قدر نبيه، وعلو منزلته عند الله تعالى، فكذلك الأَول أَضاف مخادعتهم أَولياءَه إلى نفسه لعلو منزلتهم عند الله وقدرهم لديه.
والمخادعة هو فعل اثنين؛ لخداع هؤلاءِ بحضور المؤمنين؛ لذلك المعنى ذكر المفاعلة. والله أعلم.
وقوله: { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم }.
الأول: أي حاصل خداعهم، ووباله يرجع إليهم.
والثاني: أنهم يُظهرون لهم الموافقة ليأْمنوا، فلحقهم خوف دائم بذلك الخداع في الدنيا.
وقوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ }.
الأَول: أي: ما يشعرون أَن حاصل الخداع يرجع إليهم في الآخرة.
والثاني: ما يشعرون أَن الله يظهر، ويطلع نبيه على ما أَضمروا هم في قلوبهم، و الله أعلم.
وقوله: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }.
يقال: شكٌ ونفاق؛ سَمَّى عز وجل المنافقين مرضى؛ لاضطرابهم في الدين؛ لأَنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين بالقول، ويضمرون الخلاف لهم بالقلب؛ فكان حالهم كحال المريض الذي هو مضطرب بين الموت والحياة؛ إذ المريض يشرف - ربما - على الموت، ويرجو الإقبال عليه منه ثانياً؛ فهو مضطرب بين ذلك، فكذلك هم، لما كانوا مضطربين في دينهم سماهم مرضى.
وأما سائِر الكفرة فإنهم لم يضطربوا في الدين، بل أَظهروا بالقول على ما أَضمروا بالقلب؛ فسماهم موتى، لما لم ينتفعوا بحياتهم، ولم يكتسبوا الحياة الدائمة.
وسمى المؤمنين أَحياء؛ لما انتفعوا بحياتهم، واكتسبوا الحياة الدائمة، لموافقتهم باللسان والقلب جميعاً لدين الله - عز وجل - والله أعلم.
وقوله: { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً }.
اختلف في تأْويله:
قالت المعتزلة: هو التخلية بينهم وبين ما اختاروا.
وأما عندنا: فهُو على خلق أَفعال زيادة الكفر والنفاق في قلوبهم، لما زادوا هم في كل وقت من إظهار الموافقة للمؤمنين بالقول، وإضمار الخلاف لهم بالقلب، خلق الله عز وجل تلك الزيادة من المرض في قلوبهم باختيارهم.
وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم في قوله: { ٱهْدِنَا }.
وقوله: { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }.
لأَن عذاب الدنيا قد يكون ولا أَلم فيه؛ فأخبر الله عز وجل أن عذاب الآخرة عذاب شديد عظيم، ليس كعذاب الدنيا.