خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٦٠
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٦١
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٦٢
-الحج

تأويلات أهل السنة

قوله: { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } قد ذكرنا فيما تقدم أنه جائز في اللغة ذكر حرف (ذلك) وحرف (هذا) على الابتداء وإن كان مما يخبر به عن غائب، نحو قوله: { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } [ص: 49] وقوله: { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } [ص: 55] يستقيم ذكره بدون ذكر { هَـٰذَا } وهو أن يقول: وإن للمتقين كذا، وإنّ للطاغين كذا، فعلى ذلك هذا.
أو أن يكون ذكر ذلك صلة ما سبق من ذكر الأنباء والأخبار، يقول: ذلك الذي ذكرت لك وأنبأتك: { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ }.
ثم اختلف في سبب نزول هذه الآية:
قال بعضهم: هي في القصاص: أن من قتل ولي آخر فاقتص منه، ثم أن المقتص منه بغى على ولي المقتول فقتله، لينصرنّه على من بغى عليه، وهو ما ذكر في آية أخرى، وهو قوله:
{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة: 178]، ثم قال: { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ... } [البقرة: 178] كذا، لكن ذكر هاهنا الاعتداء بعد ما أخذ المال وعفا، وفي الأوّل ذكر البغي بعد القصاص، وهو واحد في معناه.
وقال بعضهم: نزل في المؤمنين والمشركين، وذلك أن المشركين عاقبوا المؤمنين بعقوبات واعتدوا عليهم، ثم إن المسلمين ظفروا بهم، فعاقبوهم جزاء عقبوتهم، ثم إن المشركين بغوا على المؤمنين، فوعد الله لهم النصر عليهم بعد البغي.
وقال بعضهم قريباً من هذا، وهو أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله ومن آمن منهم، ويعاقبونهم في أشهر الحج، ولم يكن للمؤمنين إذن بقتالهم في ذلك الوقت، فقاتلوهم مكافأة لهم، فأخبر الله - عز وجل - ووعد لهم النّصر إذا بغى أولئك عليهم من بعد؛ فعلى هذا التأويل يكون وعد النصر لهم إذا بغى أولئك عليهم من بعد، وعلى التأويل الأوّل يكون لهم الوعد بالنصر بعد ما بغى أولئك على هؤلاء، والله أعلم بذلك.
وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } للمؤمنين بقتالهم أولئك في أشهر الحج، حيث كان لم يأذن لهم بالقتال.
أو { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } إذا تابوا ورجعوا عمّا فعلوا، والله أعلم.
وقوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ } قد ذكرنا أن حرف { ذٰلِكَ } يستقيم ذكره على الابتداء والائتناف على غير صلة.
وجائز أن يكون صلة قوله: { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ }، أي: ذلك النصر لمن ذكر؛ لأن من قدر على إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل - قادر على ما وعد من النصر لهم.
وقوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [{ سَمِيعٌ }] لأقوالهم، { بَصِيرٌ } بحوائجهم، والسّميع، يقال: هو المجيب، أي: مجيب لدعائهم، { بَصِيرٌ } بما يكون من الأعداء.
أو أن يكون على الابتداء في كل أمر، وكذلك: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } ما ذكرنا.
وقال بعضهم: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ } أي: هو الذي يفعل هذا.
وقوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } قال الحسن: الحقّ: هو اسم من أسماء الله، به يعطي وبه يحكم بين الخلق، وبه يقضي، ونحوه.
وجائز أن يكون قوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي: عنده يتحقق ما يطمع في العبادة ويطلب؛ إذ هو المالك لذلك.
وقوله: { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ } أي: ما تطمعون بعبادة من دونه باطل، وهو الأصنام التي عبدوها رجاء الشفاعة، أو طمعا في السعة، فأخبر أنها لا تملك ذلك، وإنما ذلك لله.
وقوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } أي: من عنده يطلب العلوّ، [و] من عنده يطلب ويطمع الرزق، والسّعة، والشفاعة، والنصر، والظفر، والإجابة، لا من عند هؤلاء الأصنام التي يعبدونها، يذكر سفههم بعبادتهم الأصنام من دون الله.