خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٨٤
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٨٥
قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ
٨٦
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٨٧
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٨٨
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ
٨٩
بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٩٠
مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
٩١
عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٩٢
-المؤمنون

تأويلات أهل السنة

قوله تعالى: { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }.
فقالوا: لله، لم يجدوا بدّاً من أن يقولوا: لله وأن يقروا؛ لأنهم لو أنكروا ذلك لظهر جهلهم عند كل الخلائق؛ فقالوا: لله؛ فيقول: فإذا عرفتم أن ذلك كله له، وهو خالقهم، فكيف تركتم طاعته، وأنا لست أدعوكم إلا إلى ذلك: أن تجعلوا الأرض وما فيها كله لله؛ أفلا تتعظون وتقرون بما أدعوكم إليه؛ وعلى ذلك قوله: { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } لا بد لهم من أن يقروا بذلك، فإذا عرفتم بذلك وأقررتم به: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ }: مخالفته، وتتقون نقمته.
وكذلك ما قال: { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ }.
فإذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ }:
قيل: فأنى تصرفون عن ذلك.
وقال بعضهم: فأنى تخدعون وتفرون في ذلك؛ إذا عرفتم أن ذلك كله لله.
وجائز أن يكون قوله: { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ }: رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: إنه ساحر كذاب، وهو ليس يدعوكم إلا إلى ما أقررتم واعترفتم به؛ فأنى تنسبونه إلى السحر، والله أعلم.
وقوله: { مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ }: قد ذكرناه فيما تقدم.
قوله: { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ }.
أي: هو يؤمن كل خائف، ولا يقدر أحد أن يؤمن من أخافه هو، وهو كقوله:
{ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ... } الآية [يونس: 107].
قال أبو عوسجة: قوله: { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ }، أي: لا يمنع، { وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ }، أي: لا يقدر أحد أن يمنع منه أحداً؛ { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ }، أي: تغرون وتخدعون، تقول: سحرت، أي: خدعت وغررت، وقال: تسحرون، أي: تخدعون وتصرفون عن هذا، وسمي السحر من هذا.
وقوله: { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ }.
قد ذكرنا أنه يحتمل وجوهاً:
أحدها: بالحق، أي: بوحدانية الله، وألوهيته، وتعاليه عن الشركاء والولد، وعما وصفوه.
أو أن يكون قوله: { بِٱلْحَقِّ }، أي: بالقرآن الذي عرفوه أنه حق، وأنه من عند الله.
أو أن يريد { بِٱلْحَقِّ }: محمداً صلى لله عليه وسلم عرفوا أنه حق وأنه رسول الله إليهم.
أو أن يكون { بِٱلْحَقِّ } ما ذكر: من ذكرهم، وما فيه شرفهم ومنزلتهم.
و { بِٱلْحَقِّ } الذي يكون لله عليهم، وما لبعضهم على بعض من الحقوق، والله أعلم.
وقوله: { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.
في وصفهم ربهم ما وصفوه بما لا يليق وصفه به.
أو كاذبون [في قولهم بأن] القرآن مفترى مختلق من عند الله.
أو كاذبون في قولهم: بأنه ساحر، وأنه مجنون، وأنه ليس برسول؛ كذبوا في جميع ما أنكروا، والله أعلم.
وقوله: { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ }.
جائز أن يكون كل حرف من هذه الحروف موصولا بعضه ببعض لما تقدم.
وجائز أن يكون كل حرف من هذه الأحرف منفصلا من الأول مستبدا بذاته.
فإن كان على الأوّل فيكون قوله: { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ }، ولو كان اتخذ ولدا لكان إلها؛ إذ الولد يكون من جنس الوالد ومن جوهره، لا يكون من خلاف جوهره ولا من غير جنسه في المتعارف؛ فإذا كان إلها من الوجه الذي ذكرنا لذهب إذن كل إله بما خلق.
وإن كان منفصلا، فهو على ما ذكر من فساد ذلك كله؛ لأنه قال: ولو كان معه إله - على ما زعموا - إذن لذهب كل إله بما خلق من: الخير، والشر، والدلالة على ألوهيته.
{ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }.
أي: قهر وغلب بعضهم بعضا على ما يكون من عادة ملوك الأرض؛ فإذا كان ما قالوا ذهب دلالة الألوهية والربوبية؛ فإذا لم يكن ذلك دل أنه واحد لا شريك معه ولا ولد؛ إذ اتساق التدبير، وجري الأشياء على حد واحد وسنن واحد دل على ألوهية واحد لا لعدد؛ إذ لو كان لعدد لكان ما ذكر من غلبة بعض على بعض، وقهر بعض على بعض، ثم ما ذكر:
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22].
ثم معلوم أن مثل هذا الاحتجاج لا يكون مع الذين ينكرون ألوهية الله ويعبدون الأصنام، وهم مشركو العرب وكفار مكة، ولكن إنما يكون مع الذين يقرون بألوهية الله، لكن يجعلون معه شريكاً لحاجة تقع له، وهم: الثنوية والدهرية والمجوس، وأولئك الذين يجعلون خالق الشر غير خالق الخير، وخالق هذا غير خالق هذا؛ فيكون قوله: { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } على هذا، أي: يتعالى عما وصفوه بالحاجة له في خلق ما خلق، والنفع له في ذلك، وكذلك قوله: { فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
وأما على ظاهر ما تقدم ذكره: من اتخاذ الولد والشريك - سبحان الله عما يصفونه من الولد والشريك، وما قالوا فيه ونسبوا إليه ما لا يليق به.
أو أن يكون قوله: { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } كما يوصف المخلوق المحدث؛ لأنهم وصفوه بالولد، والولد في متعارف الخلق لا يكون إلا من الوالد والأم، هذا [هو] التوالد المعروف فيما بين الخلق، فإذا وصفوه باتخاذ الولد شبهوه بالمخلوق المحدث من الوجه الذي ذكرنا؛ فنزه نفسه عن ذلك.