خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً
٤٦
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً
٤٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً
٤٨
لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
٤٩
-الفرقان

تأويلات أهل السنة

قوله: { أَلَمْ تَرَ }: قد ذكرنا في غير موضع أن حرف { أَلَمْ تَرَ } هو حرف تعجب واستفهام، لكن في الحقيقة على الإيجاب، أي: وقد رأيت.
وقوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي: إلى تدبير ربك ولطفه أن كيف مد الظل، وهو لا يؤذي ولا يضر ولا يحس، ولا يشعر به أحد بكونه فيه ولا يثقل ولا يخف، ولا يستر ولا يكشف عن وجوه الأشياء، إنما النور هو الكاشف عن وجوه الأشياء، والظلمة هي الساترة لذلك، ونحو ذلك ما يكثر ذكره مما يحيط بالخلائق كلها؛ ليعلم أن من المحسوسات التي يقع عليها الحواس ما لا يدرك حقيقة من نحو الظل الذي ذكرنا هو ما لا يدرك حقيقة، ومن نحو السمع والبصر والعقل والنطق باللسان، ونحو ذلك من المحسوسات؛ ليعلم أن الذي سبيل معرفته الاستدلال وهو منشئ هذه الأشياء - أحق ألا يدرك ولا يحاط بتدبيره ولطفه؛ [و] ليعلم أن من بلغ تدبيره ولطفه هذا المبلغ لا يحتمل أن يعجزه شيء أو يخفى عليه شيء؛ يخبر عن قدرته وتدبيره ولطفه، ليعلم أنه قادر ومدبر بذاته لطيف.
وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } أي: دائباً لا يذهب أبداً، ولا تصيبه الشمس ولا يزول.
وقال بعضهم: { سَاكِناً } أي: مستقراً دائماً لا تنسخه الشمس كظل الجنة.
وقوله: { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً }: قال بعضهم: أي: تتلوه وتتبعه حتى تأتي على كله.
وقال بعضهم: قوله: { جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } يقول: حيثما تكون الشمس يكون الظل، وأصله: أنه بالشمس يعرف الظل أنه ظل، ولولا الشمس ما عرف الظل، فهو دليل معرفته وكونه أنه ظل.
وقوله: { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً }: قال بعضهم: هَيِّناً خفِيّاً، وأصله: أنه يقبض بالشمس الظل وينسخه شيئاً فشيئاً، حتى تأتي على كله.
وقوله: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً } قيل: سكنا يسكن فيه الخلائق.
وقيل: لباسا، أي: سترا.
{ وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } قال بعضهم: أي: راحة، يقال: سبت الرجل يسبت سباتا فهو مسبوت.
وقال بعضهم: أصل السبت: التمدد.
وقال بعضهم: سبت الرجل إذا نعس. وقيل: رجل مسبوت: لا يعقل كأنه مسبت.
{ وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً }: فمن جعل السبات: النوم، جعل قوله: و{ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } أي: حياة يحيون فيه.
ومن يقول: السبات: راحة، يجعل النهار نشورا: ينشر فيه للمعاش والكسب وابتغاء الرزق.
وقال بعضهم: يذكر نعمه ومننه على عباده؛ لتأدي شكره.
وقال أبو معاذ: قال مقاتل: { مَدَّ ٱلظِّلَّ } يعني: الفيء من أول وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس. وأخطأ؛ لا يسمى ذلك الظل: فيئاً.
وقال الكسائي: العرب تقول: الظل من حين تصبح إلى انتصاف النهار، فإذا زالت الشمس عن كبد السماء فما خرج من ظل فذلك الفيء ويقال للفيء: الظل، ولا يقال للظل: فيء قبل الزوال.
وقوله: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً }: قال بعضهم: { نشرا } أي: حياة.
وقال بعضهم: { نشراً } للسحاب: تنشره، أي: تبسطه.
وعلى التأويل الأول ننشرها، أي: نحييها.
وقوله: { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي: بين يدي المطر، سمي المطر: رحمة؛ لما برحمته يكون؛ وكذلك ما سمى الجنة: رحمة؛ لأنها برحمة ما يدخل من دخل فيها.
وقوله: { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ }: هذا يدل أنه لا يفهم باليد: اليد المعروفة التي هي الجارحة، حيث ذكر للمطر ذلك ولا يعرف - أعني: اليد - ليعلم أنه لا يفهم من قوله: بيد الله، بين يدي الله - ذلك، وبالله العصمة.
وقرأ بعضهم: { بُشْرَاً } بالباء، وهو من البشارة؛ كقوله:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } [الروم: 46] أي: تبشرهم بالرحمة والسعة، والله أعلم.
وقوله: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } أي: ما يطهر به الأنجاس والأقذار الظاهر منها والباطن؛ وكذا الطهور أنه يطهر حيثما أصابه.
وقوله - عز وجل -: { وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً }: قال بعضهم: الأناسي: جمع إنسي.
وقال بعضهم: هي جمع إنسان، وأصله بالنون (أناسين)، لكن أبدلت النون ياء.
وقال أبو عوسجة والقتبي: أناسيّ مشددة، يعني: أناس، وأناسي جماعة الإنسان على ما ذكرنا.
ويحتمل قوله: { وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً }، أي: نسقيه من الماء الطّهور والمنزل من السماء كثيراً من الأنعام، وكثيراً من الإناس، وكثيراً ما يسقى من المياه المنتزعة من الأرض.