خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ
٢١٣
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ
٢١٤
وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢١٥
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢١٦
وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ
٢١٧
ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ
٢١٨
وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ
٢١٩
إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٢٢٠
-الشعراء

تأويلات أهل السنة

وقد ذكرنا وجه النهي لرسول الله في قوله: { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } وأمثاله، والله أعلم.
وقوله: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }: روي عن أبي هريرة قال:
"لما نزلت هذه الآية: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً، فخص وعم فقال: يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله نفعاً ولا ضرّاً، يا معشر بني قصي، أنقذوا أنفسكم من النار؛ فإنى لا أملك لكم من الله ضرّاً ولا نفعاً، وقال: يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار لا أملك [لكم] من الله ضرّاً ولا نفعاً؛ وكذلك قال لبني عبد المطلب، وقال لفاطمة ابنته: يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لك من الله ضرّاً ولا نفعاً، ولكن لك رحم سأبُلُّها ببلالها" أي: بأصلها.
وفي بعض الأخبار: أنه قال عند نزول هذه الآية:
"إني أرسلت إلى الناس عامة، وأرسلت إليكم با بني هاشم وبني عبد المطلب خاصة" ، وهم الأقربون وهما أخوان ابنا عبد مناف.
وعن الحسن قال:
"ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهل بيته قبل موته فقال: ألا إن لي عملي ولكم عملكم، ألا إني لا أملك لكم من الله شيئاً، ألا إن أوليائي منكم المتقون، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتونني بالدنيا تحملونها على رقابكم، ويأتيني الناس بالآخرة" .
وعن قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات ليلة على الصفا يفخذ عشيرته فخذا فخذا يدعوهم إلى الله، قال في ذلك المشركون. لقد بات هذا الرجل يهوِّت منذ الليلة. يقول يصيح؛ فأنزل الله في ذلك: { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } الآية [سبأ: 46].
ومعنى التخصيص في إنذاره عشيرته في هذه الآية يحتمل وجهين - وإن كانوا داخلين في جملة إنذار الناس جميعاً في قوله:
{ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] إذ هم من العالمين -:
أحدهما: جائز أن يكونوا هم يطمعون شفاعة رسول الله يوم القيامة، وإن لم يطيعوه ولم يجيبوه إلى ما يدعوهم إليه؛ على ما روي عنه أنه قال:
"كل نسب وسبب منقطع يومئذ إلا نسبي وسببي" ، فيشبه أن يكونوا يطمعون شفاعته يومئذ - وإن خالفوه بحق القرابة والوصلة - ما لا يطمع ذلك غيرهم من الناس إلا بالطاعة والإجابة، فأمره أن ينذرهم؛ لئلا يكلوا إلى شفاعته، ولكن احتالوا حيلتهم بالطاعة والعمل لما يأمر، وهو ما ذكر في الأخبار التي ذكرنا: "إني لا أملك لكم من الله نفعاً ولا ضرّاً، ألا إن أوليائي منكم المتقون" ، أخبر أن لا ولاية إذا لم يتقوا مخالفته.
والثاني [ ].
وقوله: { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }: قيل: لين جانبك لمن اتبعك من المؤمنين؛ كأنه أمر رسوله أن يتواضع لهم ويرحم، وقال في الوالدين:
{ وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [الإسراء: 24]، وقال في المؤمنين: بعضهم لبعض فيما بينهم { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29]، { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]، ذكر الذل فيما بينهم والرحمة، ولم يذكر في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذل - والله أعلم - لأن الذل كأنه يرجع إلى الخضوع واستخدام بعضهم بعضا، وذلك في رسول الله بعيد لا يحتمل أن يأمره بالخدمة لهم.
وجائز أن يمتحن بعضهم بخدمة بعض، والله أعلم.
وقوله: { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } قالوا: إنه راجع إلى قوله: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } وموصول به؛ كأنه قال: وأنذر عشيرتك الأقربين فإن عصوك فقل { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ }.
قد كان رسول الله بريئا مما كان يعمل أولئك الكفرة، لكنه يحتمل أن يكون أولئك لما أنذرهم رسول الله، طلبوا منه أن يطيعهم في بعض أمورهم ويشاركهم في بعض أعمالهم؛ حتى يطيعوا أولئك له في بعض ما يأمرهم ويدعوهم إليه، ويشاركونه في بعض أعماله، فقال عند ذلك: إنه بريء مما يدعونه إليه، وطلبوا منه مساعدته إياهم والإغماض عما يعملون فقال: { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ }؛ كأنه أمنه عن شرهم وكيدهم فقال: { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ }، ولا تخف مخالفتهم إياك فيما تدعوهم إليه.
أو أمره أن يكل نفسه إليه، ويفوض جميع أموره في كل وقت فقال: { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ }، العزيز: المنتقم لأوليائه أو الشديد بأعدائه، الرحيم بأوليائه.
أو ذكر العزيز؛ لأنه به يعز من يعز وهو يرحم من يرحم، من لم يعزه هو لا يكون عزيزاً ومن لم يرحمه هو لا ينفعه ترحم غيره، والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء.
وقوله: { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ }: في ظلمة الليل وحدك قائماً وجالساً وعلى حالاتك، ويراك في تقلبك - أيضاً - في الساجدين في الصلاة مع الناس في الجماعة.
وبعضهم يقول في { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ }: في المصلين؛ يقول: كان يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من أمامه.
لكن هذا ليس تأويل الآية، بل كلام قاله من ذات نفسه، ولو كان ما ذكر لكان يقول: يريك، برفع الياء لا بالنصب.
وروي [في] بعض الأخبار:
"أنا إمامكم؛ فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام؛ فإني أراكم خلفي كما أراكم أمامي، والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قالوا: يا رسول الله وما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار" .
وقال بعضهم: يراك حين تقوم إلى الصلاة فتصلي وحدك، ويراك مع المصلين في جماعة؛ وهو مثل الأول.
وفي حرف حفصة: { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ }.
{ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }: السميع لمقالتهم مما يخفون ويسرون وما يعلنون، والعليم: بضمائرهم وخفياتهم.
أو السميع: المجيب لمن دعاه، العليم: بأفعالهم وأعمالهم.