خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
٢٩
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
٣٠
أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣١
قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ
٣٢
قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ
٣٣
قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ
٣٤
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ
٣٥
-النمل

تأويلات أهل السنة

حيث قالت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } فكأنهم قالوا: ممن ذلك الكتاب؟ فقالت عند ذلك { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ }.
وقوله: { كِتَابٌ كَرِيمٌ }: قال بعضهم: أي: حسن؛ لما رأت فيه من الكلام الحسن والقول اللطيف.
وقال بعضهم: { كِتَابٌ كَرِيمٌ } أي: مختوم، وقد ذكر في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من كرم الكتاب ختمه" أو كلام نحو هذا أو شبهه.
وجائز أن يكون فيه إضمار، أي: إني ألقي إليَّ كتاب من إنسان كريم، وسليمان كان معروفاً بالكرم، يشبه أن يكون قد أتاها خبر كرمه.
و{ ٱلْمَلأُ } قالوا: هم الأشراف وأهل السؤدد.
وقال الزجاج: سموا لما اجتمع عندهم من حاجات الناس، وحسن الرأي والتدبير في كل شيء من الأمور، أو كلام نحو هذا.
وقوله: { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }: هو ما ذكرنا كأنهم سألوها ممن ذلك الكتاب؟ فقالت: { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ }، وسألوها - أيضاً -: ما في ذلك الكتاب؟ فقالت: { وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }.
قوله: { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ } أي: لا تتكبروا ولا تتعظموا عليّ.
{ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }: مخلصين لله بالتوحيد، أي: اجعلوا أنفسكم سالمة لله خالصة له، لا تجعلوا لأحد سواه فيها شركا ولا حقّاً؛ لأنه أخبر أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله فيخبر في الكتاب، حيث افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم: أن الذي يستحق السجود والعبادة هو الله الرحمن الرحيم لا ما تعبدون أنتم.
ثم إن من عادة الأنبياء والرسل الإيجاز في الكلام والرسائل، لا يشتغلون بفضول الكلام وتطويله، على ما ذكر من كتاب سليمان إلى بلقيس: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ذكر هذا القدر كان الكتاب، والله أعلم.
وقوله: { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ }: استشارت أشراف قومها وطلبت منهم الرأي في ذلك، وهكذا عمل الملوك وعادتهم أنهم إذا أرادوا أمرا أو استقبلهم أمر يستشيرون أولي الرأي من قومهم وأهل الحجى والتدبير منهم، ثم يعملون بتدبير يكون لهم وما يرون ذلك صواباً؛ وعلى ذلك أمر الله رسوله أن يشاور أصحابه بقوله:
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [آل عمران: 159]، ثم أمره إذا عزم على الأمر أن يتوكل على الله في ذلك، وأن يكل أمره إليه.
وقوله: { حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ }: يحتمل وجهين:
ما كنت قاطعة أمرا حتى تحضروا.
أو ما كانت قاطعة أمرا حتى تشهدوا أنه صواب حق.
فأجابوها فيما طلبت منهم الرأي والتدبير في ذلك، فقالوا: { نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ }، أي: نحن أولو قوة في أنفسنا وأولو بأس شديد، أي: حرب وقتال شديد، أي: لنا معرفة في ذلك، ومع ما قالوا وكلوا الأمر إليها حيث قالوا: { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ }، وهكذا الواجب على وزراء الملوك والرعية أنهم إذا استشاروهم في أمر أن يدلوهم على الأصوب والحسن لهم، ثم يكلوا الأمر إليهم.
وقصة سليمان صلوات الله عليه مع ما فيها من العجائب والآداب، ففيها معرفة سياسة الملوك وتعلم آدابهم؛ من ذلك: ما قال سليمان: { فَهُمْ يُوزَعُونَ }، ومن ذلك قوله: { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ... } الآية، وقوله: { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً }، أو من ذلك استشارة بلقيس أشراف قومها في ذلك وجوابات قومها لها، وإخبارها إياهم من طبع الملوك وعاداتهم من الإفساد والقتل والإذلال؛ حيث قالت:{ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ }: قال أهل التأويل: هذه شهادة من الله لها بما قالت والتصديق لها فيما أخبرت أنهم كذلك يفعلون بكبرائهم.
ثم قال: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ }: ذكر أنها قالت: إن لي في هذا رأيا، فإن يك صاحب دنيا فعسى أن نرضيه بالمال فيسكت عنا ويكف شره، وإن يكن نبيّاً فلا يقبل ذلك منا وسنعرف، فعملت ذلك وأرسلت إليه بهدايا، فلم يقبلها سليمان فعرفت أنه نبي، وهذا كان منها تدبيراً أو حسن الرأي في الأمر واحتيالا وفقت في ذلك، لم تشتغل بالحرب والقتال على ما أشار لها قومها.
وقال ابن عباس: "قالت بلقيس لما أتاها كتاب سليمان، واستشارت قومها في ذلك وطلبت فتياهم، فأفتوا لها بما أفتوا - قالت: أبعث إليه بهدية، فإن قبلها فهو ملك فأحاربه، وإن لم يقبلها فهو نبي أتابعه".
قال أبو عوسجة: { فَنَاظِرَةٌ } يقال: أنظرته نظرة، أي: أمهلته، والنظرة في الدين خاصة وهو الإنظار.