خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
٣٦
ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
٣٧
قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣٨
قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
٣٩
قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
٤٠
قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ
٤١
-النمل

تأويلات أهل السنة

قوله: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ }: الرسول الذي بعثت معه بلقيس الهدية.
ويحتمل: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } المال الذي بعثت إليه؛ يحتمل ذا أو ذا.
وقوله: { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أي: أتعطونني بمال، وقال أهل الأدب: { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } من المدد، والمدد الزيادة كما يمد القوم، ويكون الإعطاء كقوله:
{ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [الطور: 22]، ويحتمل هذه الزيادة، والله أعلم.
وقوله: { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي: ما آتاني الله من النبوة والعلم والحكمة خير مما آتاكم من الأموال.
ويحتمل: { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ } فأوتيكم إذا أتيتموني مسلمين { خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ }؛ إذ لم تؤتوني وأوتيتم الإسلام، أو كلام نحو هذا.
وقال بعض أهل التأويل: فما آتاني الله من الملك خير مما آتاكم من الملك؛ لأنه سخر له الجن والإنس والشياطين والطيور والرياح وجميع الأشياء، فذلك خير له وأعظم من ملكها.
والأول أشبه وأقرب؛ إذ لا يحتمل أن يفتخر سليمان بملكه على غيره، إنما يكون افتخاره بالدين والنبوة؛ والله أعلم.
وقوله: { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }: قال بعضهم: بل أنتم بهديتكم تفرحون إذا ردت إليكم، لكن هذا بعيد: لا تفرح برد الهدية إذا ردت إليها، ولم تقبل بل تحزن على ذلك وتهتم، لكنه يقول - والله أعلم - بل أنتم أولى بالفرح بالمال والهدايا منا؛ إذ مرادكم المال والدنيا، ومرادنا الدين ودار الآخرة، أو كلام نحو هذا، والله أعلم بذلك.
وقوله: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا }: قال ذلك - والله أعلم - للرسول الذي أتاه بالهدية: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا }، أي: لنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بها إن لم يأتوني مسلمين، { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } إن لم يأتوني مسلمين.
ثم قال سليمان - عليه السلام -: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } إنما خاطب به أشراف قومه، وهكذا العادة في الملوك أنهم إذا خاطبوا أحداً بشيء إنما يخاطبون أهل الشرف والمنزلة منهم.
{ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }: قال بعض أهل التأويل: إنما قال هذا لأنه علم نبي الله متى أسلموا يحرم أموالهم مع دمائهم، فأحب أن يؤتى به قبل أن يحرم ذلك عليه، لكن هذا محال بعيد وفحش من القول لا يحتمل أن يكون رغبة سليمان في الأموال هذا الذي ذكر بعدما رد هداياها إليها، وأخبر: إنكم تفرحون بها؛ لأنكم أهل دنيا؛ إذ رغبة أهل الدنيا في الأموال، ونحن أهل الدين رغبنا في الدين به نفرح، ويستعجل كل هذا الاستعجال رغبة في مالها وعرشها.
لكنه - والله أعلم - يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه أراد أن يريهم قوته وسلطانه أن يرفع واحد من جنوده عرشها - مع عظمه - بمعاينة منهم ومشاهدة وحمله من بينهم؛ ليعلموا أن من قدر على ذلك لقادر أن يأتيهم بجنود لا طاقة لهم تصديقاً لما قال: { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا }، ويقدر على قهرهم وغلبتهم.
والثاني: أراد أن يريهم آية من آيات نبوته إذا أتوه { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }؛ ليعلموا أنه نبي ليس بملك.
وهذا التأويل الذي ذكرنا آية، لكنه قبل أن يأتوه؛ ليعلموا أنه نبي ليس بملك.
وقوله: { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي: مصالحين، وذلك جائز في اللغة.
وقوله: { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ }: قال بعضهم: مقامه: مجلسه الذي كان يقضي فيه إلى أن يفرغ من قضائه حتى يؤتى به.
{ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }: لأن الجن أقوى من الإنس وصف نفسه بالأمانة؛ لأن الجن لا يرغبون في الأموال ما يرغب الإنس.
وقال بعضهم: أمين على فرج تلك المرأة.
مقامه: مجلس الرجل يكون فيه حتى يقوم، ولكن لا ندري ما أراد بمقامه الذي ذكر.
وقال بعضهم: أراد سليمان أن يكون أعجل من ذلك { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } ذكر أنه كان رجلا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب: { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ }.
ثم اختلف في ارتداد طرفه.
قال بعضهم: هو أن يبعث رسولا إلى منتهى طرفه فلا يرجع حتى يؤتى به.
وقال بعضهم: هو الرجل ينظر إلى الشيء البعيد قبل أن يرجع إليه طرفه.
{ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ }: قال بعضهم: دخل في نفق الأرض، فخرج بين يدي سليمان - يعني: العرش - كأنه - والله أعلم - أتاه إذ دعاه بذلك الاسم، من غير أن تكلف هو حمله أو إتيانه؛ فهذا يدل أن الآيات قد تجري على غير أيدي الرسل، لكن تكون الآية للرسول وإن كانت تجري على أيدي غيره.
ثم قال: { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }: قال بعضهم: والله ما جعله فخرا ولا أشرا ولا بطرا، لكنه جعله شكرا وتواضعا.
وقال بعضهم: لما دعا ذلك الرجل بذلك الاسم فرآه مستقرا عنده، وقع في قلب سليمان شيء وخطر بباله أنى يكون رجل عنده علم ما ليس عنده من العلم، قال: فعزم الله له على الخبر.
وقيل له: إنه ممن خولك الله، فقال سليمان: { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي }، يقول: ما أعطى ذلك الرجل ما لم يعطني { لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ } إذا كان مثله تحت يدي. { أَمْ أَكْفُرُ }، لكن لا يحتمل أن يشكر الله على ما أعطى غيره.
ثم يحتمل قوله: { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } إتيانه أولئك مسلمين؛ أو النبوة والعلم الذي آتاه الله، قال: ذلك من فضل ربي، أراد تسخير ما سخر له { لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }، أي: يمتحنني أأشكر أم أكفر؟ { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ }؛ ليعلم أنه إنما يمتحن بالشكر، ويأمره به لا لمنفعة الممتحن ولكن لمنفعة المأمور به.
وقوله: { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }: غني: عن شكره، كريم: يقبل القليل منه واليسير.
وقوله: { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا }: قال أهل التأويل: { نَكِّرُواْ } أي: غيروا لها عرشها؛ كأنه أمر أن يغيروا بعض ما عليه من الزيادة والنقصان؛ ليمتحنها أتعرف أنه عرشها أم لا؟ والمنكر هو الذي لا يعرف؛ كقوله:
{ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [الحجر: 62]، وقوله: { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } [هود: 70] أي: لم يعرفهم.
وقوله: { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا }: كان يجيء أن يقال: نكروا عرشها، ويكون { لَهَا } زائدة، إلا أن يقال: { نَكِّرُواْ لَهَا }، أي: نكروا لأجلها عرشها، وهذا يشبه أن يكون.
وقوله: { نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ }: قال أهل التأويل: أتهتدي أنه عرشها أو لا تهتدي إليه؟
وجائز أن يكون قوله ننظر: أتهتدي إلى دين الله وتوحيده، أم تكون من الذين لا يهتدون إلى دين الله؟