خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ
١٤٣
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ
١٤٥
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ }:
قيل فيه بوجهين:
قيل: قوله - عز وجل -: تمنون ما فيه الموت، وهو القتال.
وقيل: تمنون الموت نفس الموت.
ثم يحتمل وجوهاً:
يحتمل: يتمنون إشفاقاً على دينهم الإسلام؛ لئلا يخرجوا من الدنيا على غير دينهم الذي هم عليه، ويحتمل أن يكونوا تمنوا الموت، لينجوا أو يتخلصوا من تعذيب الكفار إيّاهم وتغييرهم؛ على ما قيل: إن أهل مكة كانوا يعذبونهم، طلبوا النجاة منهم والخلاص، والله أعلم.
وقيل: يتمنون الموت، أي: يتمنون الشهادة؛ لما سمعوا من عظيم الثواب وجزيل الأجر، تمنوا أن يكونوا شهداء الله - عز وجل - أحياء عند ربهم، والله أعلم.
وقيل: في قوله - عز وجل -: { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ }: وذلك حين أخبر الله - عزّ وجلّ - عن قتلى بدر، وما هم فيه من الخير؛ فتمنوا يوماً مثل يوم بدر؛ فأراهم الله يوم أحد [فانهزموا]، فعوتبوا على ذلك بقوله: { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ }، يعني: يوم أحد.
وقوله: - عز وجل -: { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ }.
يحتمل [أيضاً] وجوهاً:
يحتمل: فقد رأيتم أسباب الموت وأهواله.
ويحتمل: فقد رأيتم أصحابكم الذين قتلوا بين أيديكم، على تأويل من صرف قوله - عز وجل -: { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } إلى القتال، والله أعلم.
وقوله - عزّ وجلّ -: { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }.
يحتمل: { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } إلى الموت، يعني: إلى موت أصحابكم أو إلى القتال.
ويحتمل: { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }، أي: تعلمون أنكم كنتم تمنون الموت، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ }:
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: - والله أعلم -: أن يقول لهم: إنكم لما آمنتم بمحمّد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لم تؤمنوا به؛ لأنّه محمّد [رسول الله صلى الله عليه وسلم]، ولكن آمنتم بالذي أرسله إليكم، والمُرْسِل حي، وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم قتل أو مات على زعمكم؛ فكيف أنقبلتم على أعقابكم؟!.
قال الشيخ:رحمه الله -: في الآية خبر بانقلاب من علم الله أنه يرتد بموت رسول الله صلى الله وسلم كقوله - عز وجل -:
{ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ } [البقرة: 217].
والشاكرون: الذين جاهدوهم، قد أخبر الله - تعالى - أنه يحبّهم ويحبّونه.
وقال الحسن: إن أبا بكر الصّديق - رضي الله عنه - كان - والله - إمام الشاكرين.
ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن من كان قبلكم من قوم موسى وعيسى - عليهما السلام - كانوا يكذبون رسلهم ما داموا أحيّاء؛ حتى قال لهم موسى - عليه السلام -
{ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } [الصف: 5]، وكذلك قال عيسى - عليه السلام -: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً } الآية [الصف: 6]، فإذا ماتوا ادعوا أنهم على دينهم، وأنهم صدقوهم فيما دعوهم إليه، وإن لم يكونوا على ذلك، فلم ينقلبوا على أعاقبهم؛ فيكف تنقلبون أنتم على أعقابكم إن مات محمد صلى الله عليه وسلم أو قتل؟!.
والانقلاب على الأعقاب: على الكناية والتمثيل، ليس على التصريح، وهو الرجوع إلى ماكانوا عليه من قبل من الدين.
وقوله - عز وجل -: { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً }:
أي: من ارتدّ بعد الإسلام فلن يضرّ الله شيئاً؛ لأنه لم يستعملهم لنفسه، ولكن إنما استعملهم لأنفسهم؛ ليستوجبوا بذلك الثواب الجزيل في الآخرة، فإنما يضرون بذلك أنفسهم، لا الله - تعالى.
والثاني: أنه إنما يأمرهم ويكلفهم؛ لحاجة أنفسهم، لا أنه يأمر لحاجة نفسه، ومن أمر آخر في الشاهد: إنما يأمر لحاجة نفس الآمر، فإذا لم يأتمر لَحِق ضرر نَفْس ذلك الآمر، فإذا كان الله - سبحانه - يتعالى عن أن يأمر لحاجته؛ وإنما يأمر لحاجة المأمور، فإذا ترك أمره - ضر نفسه، وبالله التوفيق.
{ وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }:
قيل: الموحّدين لله.
وقيل: الذين آمنوا وجاهدوا يجزيهم في الآخرة، وكل متمسك بأمر الله ومؤتمر بأمره فهو شاكر.
وقوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ }:
يحتمل قوله: { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ }، أي: لا يموت إلا بقبض المسلط على قبض الأرواح - روحه؛ كقوله:
{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة: 11]: إن مات أو قتل.
ويحتمل: { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ }: إلا بعلم الله.
{ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً }:
قيل: وقتاً موقتاً، لا يتقدم ولا يتأخر، مات أو قتل، ما لم تستوف رزقها وأجلها.
وقيل: { كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً }، أي: مبيناً في اللوح المحفوظ، مكتوباً فيه.
وقوله: { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا }:
أي: من أراد بمحاسن أعماله الدنيا نؤته منها.
{ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا }:
أي: من يرد بأعماله الصّالحات ومحاسنه الآخرة نؤته منها.
{ وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }:
وهو كقوله:
{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } [الشورى: 20] على قدر ما قدّر { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [الشورى: 20]؛ فكذلك هذا - أيضاً - والله أعلم.