خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
١٨٦
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
١٨٧
لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨٨
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ }:
يحتمل الابتلاء في الأموال والأنفس: أن يُبْلَوْا بالنقصان فيها؛ كقوله - عزَّ وجَلَّ -:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ... } الآية [البقرة: 155].
ويحتمل: أن يُبْلَوْا بما جعل فيها من العبادات، [من نحو: الزكاة في الأموال والصدقات والحقوق التي جعل فيها، وفي الأنفس: من العبادات]: من الصلاة والجهاد والحج، وغيرها من العبادات، و الله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }:
يعني: الذين لهم علم بالكتاب ومن غيرهم.
{ أَذًى كَثِيراً }
[أي: تسمعون أنتم من هؤلاء أذى كثيراً، على ما سمع إخوانكم الذين كانوا من قبلكم من أقوامهم أذى كثيراً]؛ كقوله - عز وجل -:
{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } [آل عمران: 184].
وقوله - عز وجل -: { وَإِن تَصْبِرُواْ }:
على أذاهم.
{ وَتَتَّقُواْ }:
مكافأتهم، على ما صبر أولئك واتقوا مكافأتهم.
{ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }:
قيل: من خير الأمور؛ هذا يحتمل.
وقيل: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }
من قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ }، يعني: العرب، { أَذًى كَثِيراً }، يعني: نصب الحروب فيما بينهم، والقتال، والسب وغير ذلك، { وَإِن تَصْبِرُواْ }: على ذلك والطاعة له، { وَتَتَّقُواْ }: معاصي الربِّ، { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }:، يعني: من حزم الأمور.
وقوله - عز وجل -: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }:
أي: الذين أوتوا العلم بالكتاب، وأَخَذَ الميثاق؛ ليبينوا، أي: يُبَيِّنُوا للناس ما في الكتاب من الأمر والنهي، وما يحل وما يحرم، وغير ذلك من الأحكام، ولا يكتموا ذلك.
ويحتمل: أن أخذ عليهم الميثاق: أنْ بَيَّنُوا للناس بَعْثَ محمد صلى الله عليه وسلم وصِفَتَهُ، ولا تكتموه بالتحريف وبترك البيان.
وقوله: { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ }
أي: لم يعملوا بما فيه، ولا بينوا للناس؛ فهو كالمنبوذ وراء ظهروهم.
{ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً... } الآية:
قد ذكرنا معناه في غير موضع.
وعن علي - رضي الله عنه - قال: "ما أخذ الله ميثاقاً على أهل الجهل بطلب العلم، حتى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم؛ لأن العلم كان قبل الجهل".
وقوله - عز وجل -: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ }:
قيل: بما غيَّروا من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته في كتابهم وكتموه، وتبديلهم الكتاب، وإعجاب الناس ذلك وحمدهم على ذلك.
وقيل: إن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن نعرفك ونصدقك - وليس ذلك في قلوبهم - فلما خرجوا من عند [رسول الله] صلى الله عليه وسلم قال لهم المسلمون: ما صنعتم؟ فيقولون: عرفناه وصدقناه؛ فيقول المسلمون: أحسنتم، بارك الله فيكم: يحمدهم المسلمون على ما أظهروا من الإيمان، وهم يحبون أن يحمدوا على ذلك؛ فذلك تأويل قوله: { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ }.
وقيل: إنهم قالوا: نحن أهل الكتاب الأول والعلم، وأهل الصلاة والزكاة. ولم يكونوا كذلك، وأحبُّوا أن يحمدوا على ذلك، والله أعلم بالقصَِّة.
وفي قوله - عز وجل أيضاً -: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ... } الآية - دلّ ما ذم الله عباده، وأوعدهم عليه أليم عقابه فيما أحبُّوا الحمد على ما لم يفعلوا - على تعالى الربِّ عن قول المعتزلة في قولهم: ليس لله في الإيمان تدبير سوى الأمر، ولا صُنْعٌ، وقد أحبَّ أن يحمد عليه بقوله - عز وجل -:
{ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7]، بقوله - عز وجل -: { بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } [الحجرات: 17]، وقولهِ - تعالى -: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [النور: 10] في غير موضع من القرآن، ولا قوة إلا بالله.