خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٢١
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٢
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ }: قيل: بآيات الله التي في كتابهم: من بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وصفته.
وقيل: : { بِآيَاتِ } بالقرآن، وبمحمد صلى الله عليه وسلم.
{ وَيَقْتُلُونَ }: يحتمل قوله: { وَيَقْتُلُونَ } أي: يهمون يريدون قتلهم؛ كقوله:
{ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } [البقرة: 191]، فلو كان على حقيقة القتل، فإذا قتلونا لم نقدر على قتلهم؛ وكقوله: { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [النحل: 98] أي: إذا أردت أن تقرأ القرآن؛ وكقوله: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ } [المائدة: 6] كذا، أي: إذا أردتم أن تقوموا إلى الصَّلاة؛ لأنه إذا قام إلى الصّلاة لم يقدر على الغسل؛ فكذلك الأوّل.
ويحتمل أن يريد: الرضا بقتل آبائهم الأنبياء، فأضاف ذلك إليهم.
وقيل: إنه أراد آباءهم الذين قتلوا الأنبياء.
وقيل: جاءَ أنهم كانوا يقتلون ألف نبي كل يوم، قال [الشيخ]: لا أعرف هذا، فإن صح فهو على أنهم تمنوا ذلك، أو قتلوا نبيّاً وأنصاره، فسمّوا أنبياء؛ لما كان ينبىء بعضهم بعضاً، والله أعلم.
وقوله: { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }: لو كان أراد آباءَهم كيف يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالبشارة وهم موتى؟! دل هذا على أن التأويل هو الأوّل: أنهم هموا بقتلهم، أو ورضوا بصنع آبائهم، والله أعلم.
والبشارة المطلقة إنما تستعمل في السّرور والخيرات خاصَّة، إلا أن تكون مقيّدة؛ فحينئذ تجوز في غيرها؛ كقوله: { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } قيدها هنا؛ لذلك قال أصحابنا - رحمهم الله -: أن ليست الحقائق أولى من المجاز، ولا الظاهر أولى من الباطن؛ إلا بدليل على ما صرفت أشياء كثيرة عن حقائقها بالعرف؛ من نحو: الإيمان، وغيرها.
وقوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } يحتمل وجوهاً:
يحتمل: أعمالهم التي فعلوا؛ قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما بعث كفروا به، فبطلت تلك الأعمال.
ويحتمل: ما كان لهم ن الأعمال: من صلة المحارم، والقربات، والصدقات، فبطلت لما لا قوام لها إلا بالإيمان، فلما لم يأتوا به - بطلت.
وقوله: { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ }: أمَّا في الآخرة: فثوابها، وأمَّا في الدنيا: فحمدها وثناؤها.
ويحتمل في الدنيا: ثواب الدنيا؛ كقوله:
{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [النساء: 134]ٍ، والله أعلم.
قال الشيخ -رحمه الله - في قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ }: فالآيات أعلام وحجج، وهنّ أنواع:
منها حسِّيات، نحو: الخلائق؛ في الدلالة على وحدانية الله تعالى. الخارجة منها عن احتمال وسع البشر يظهر عند أداء الرسل الرسالة، يشهد على أن الذي أرسلهم هو الذي تولاهم؛ ليعلم بها محجة ويوضح بها رسالتهم.
ومنها: السمعيات: وهي التي جاءت بها الرسل من الأنباء؛ عما لا سبيل إلى الوقوف عليها، إلا بالتعلم بلا تقدم تعليم، أو ما لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله؛ ليعلم أن الله هو الذي أطلعهم عليها؛ ليكون آية لهم، والله أعلم.
ومنها العقليات: وهي التي تعرف بالمحن، والبحث عنها مما بها يوصل إلى معرفة التوحيد والرسالة ونحوها، ثم قد جعلها كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن يكفر بها يخرج على وجهين:
أحدهما: على الكفران بحقيقة الآيات؛ أن يكون هن آيات لما أقيمت له، وهن من الوجوه التي ذكرت، فقضى الله - تعالى - لمن يكفر بها بما ذكرت؛ لتعنتهم ومعاندتهم، والله أعلم.
والثاني: أن يريد بالكفر بالآيات: الكفر بمن له الآيات؛ فنسب إلى الآيات؛ لما بها تعلم الحقيقة، كما تنسب الأشياء إلى أسبابها التي بها يوصل إليها، فذلك معنى الكفر بالآيات، ثم كانت الكتب السماوية، وما فيها من النعوت، وما أعجزهم عن إتيان مثل القرآن، وغير ذلك من الحسّيات، والله أعلم.
فعلى ما ذكرنا يخرج معنى الكفر بالآيات؛ لأنها بحيث يأخذها الحواس، ويحيط بها الأوهام والعقول؛ ولكن على أنهن آيات للذي دَلَّكُم عليه، أو على الكفر بالذي له آيات توجب تحقيقه، والله أعلم.
وقوله: { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ }.
وقال في ذلك الكتاب:
{ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [البقرة: 2]، وقد ارتاب فيها أكثر أهل الأرض؛ قيل: قوله: { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله، لا على نفي الشك عن كل من سمعه؛ إرادة التأكيد؛ فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه؛ إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم؛ وكذلك قولهم أبداً على دوامه وامتداده، لا على حقيقة الأبدية؛ وكذلك يقولون: { هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } [الأحقاف: 11]، وأمر قديم: لا على حقيقة القدم؛ التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن، والله الموفق.
والثاني: على أنه لا يرتاب فيه المتأمّل المنصف بما جعل الله لذلك من الآيات، وعليه من الأدلة التي من تدبر فيها - أظهرته له، حتى يصير كالمعاين، ولا قوة إلا بالله.
والثالث: أن يخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عن قوم مخصوصين مما كانوا ينازعون فيه، بعد علمهم بصدقة؛ ليعرف به تعنتهم، ويؤيسه عن الطمع فيهم، ولا قوة إلا بالله.