خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٢٠
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ
٢١
وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ
٢٢
وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٢٣
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ
٢٤
-لقمان

تأويلات أهل السنة

قوله: { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }.
قوله: { أَلَمْ تَرَوْاْ }: قد ذكرنا أنه يخرج على وجهين:
أحدهما: على الخبر: أن قد رأوا وعلموا أنه سخر لهم ما ذكر.
والثاني: على الأمر، أي: انظروا وروا: أنه سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض؛ لينتفعوا بجميع ما يحتاجون إليه، ويصلوا إلى مرادهم وحاجتهم وإلى قضاء وطرهم كيف شاءوا بما شاءوا.
أو أن يذكر قدرته وسلطانه: أن من ملك تسخير ما ذكر لنا ومكنا وأقدرنا على تدبير استعمال ما سخر لنا والانتفاع به - لقادر على البعث والإحياء بعد الموت، وأنه لا يعجزه شيء.
أو أن يذكر حكمته وعلمه: أن مثل هذا التسخير لا يكون إلا بحكمته، ولو لم يكن هنالك بعث وعاقبة، لكان خلق الخلق وتسخير ما ذكر لعبا باطلا، وعلى ما ذكرنا في غير موضع.
وقوله: { مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ }: المسخر ما في السماوات يحتمل: المطر والسحاب والشمس والقمر، ونحوه مما جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض؛ حتى لا تقوم منافع الأرض إلا بمنافع السماء.
أو الملائكة؛ لأنهم قد امتحنوا ببعض ما يقع بمنافع البشر، والله أعلم.
وقوله: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }.
ذكر عن ابن عباس أنه قال:
"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة؟ قال: أما ما ظهر - يا بن عباس - فالإسلام، وما سوى من خلقك، وما أسبغ عليكم من الرزق، وأما ما بطن: ستر مساوي عملك فلم يفضحك بها" ، فإن ثبت الخبر فلا تقع الحاجة إلى غيره؛ فهو تأويل الآية، وإلى هذا ذهب عامة أهل التأويل.
وجائز أن يكون النعمة الظاهرة هو ما ظهر من الحسن والطهارة.
وأما النعمة الباطنة: ما ستر من الأنجاس والعيوب والأقذار ما لو ظهر ذلك لم يدن منه أحد، لخبثه ونجاسته.
وبعضهم يقولون: الظاهرة باللسان، والباطنة بالقلب.
وقال مجاهد: الظاهرة: الإسلام والرزق، والباطنة: ما ستر من الذنوب والعيوب، وهو قريب مما ذكر في الخبر المرفوع والله أعلم.
وقوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
المجادلة في الله: يحتمل في توحيد الله، أو في الرسالة أنه أرسل أو لم يرسل؟ أو في البعث: أيبعث أو لا يبعث؟ ونحوه، أو يجادل في كتابه.
وقوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ }.
أسباب العلم ثلاثة: العقل، والسنة، والكتاب.
يتفكر وينظر بالعقل؛ فيعرف، وبيان السنة والكتاب يبين؛ فلم يكن مع الذين يجادلون رسول الله في الشيء من ذلك وخاصة أهل مكة: كانوا لا يؤمنون بالرسل والكتب؛ فكأنه يقول: ومن الناس من يجادل في الله وهم يعلمون أنه ليس معه معقول ولا بيان من السنة والكتاب، والله أعلم.
وقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }.
وقال في آية أخرى:
{ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [البقرة: 170]، وقال في آية أخرى: { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23]؛ كأنه يقول لرسول الله: أن قل لهم: تتبعون آباءكم وتقلدونهم، وإن ظهر لكم وتبين أن الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير، وأنهم من أصحاب السعير، وتتبعون آثارهم مقتدين بهم وإن ظهر لكم وتبين أن الذي أدعوكم أنا إليه وجئتكم أهدى مما عليه آباؤكم؛ إذ تتبعون آباءكم وإن ظهر وتبين أن آباءكم كانوا لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون؟!
حتى إن قالوا: نعم، نتبعهم وإن كانوا كما ذكرت - فإنه يظهر ويبين عنادهم ومكابرتهم عند اتباعهم؛ حيث ظهر الحق لهم فلم يتبعوا، بل اتبعوا أهواءهم ويظهر كذبهم في قولهم:
{ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف: 28]، أو في قولهم: إن آباءهم على ما هم عليه؛ بل في آبائهم من هو على خلاف ما هم عليه ونحوه.
وإن قالوا: لا نتبعهم إذا كانوا على ما ذكرت؛ فعند ذلك يقترن ويثبت عندهم بالحجج والبرهان.
وفيه دلالة: أن أهل الفترة يعذبون ويؤاخذون بتركهم الدين والشرائع؛ لأن هؤلاء الذين أخبر أنهم من أصحاب السعير هم أهل الفترة ما بين عيسى وبين محمد.
وأهل التأويل يقولون: أو[لو] كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير.
ومحمد بن إسحاق يقول: { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ }، أي: لا تعرض بوجهك عن فقراء الناس، أي: إذا كلموك و{ مَرَحاً }، أي: فخرا بالخيلاء والعظمة، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }، أي: بطر ومرح، فخور في نعم الله لا يأخذ بالشكر، { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }: رويدا، لا تختل في مشيك ولا تنظر حيث لا يحل، { وَٱغْضُضْ }، أي: اخفض { مِن صَوْتِكَ }، أي: من كلامك، يأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي والمنطق، ثم ضرب للصوت الرفيع مثلا فقال: { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } لشدة صوتهم.
وقوله: { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ }: يعني: الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح، { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }، أي: الجبال والأنهار والبحار فيها السفن والأشجار والنبت عاما بعام { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً }: تسوية الخلق والرزق والإسلام، { وَبَاطِنَةً }، أي: ما ستر من الذنوب من ابن آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها، فهذا كله من النعم؛ فالحمد لله على ذلك حمداً كثيراً كما أصله.
وقال في قوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ }: في زعمه أن لله البنات، أي: الملائكة، { وَلاَ هُدًى }، أي: لا بيان معه من الله بما يقول، { وَلاَ كِتَابٍ }: له فيه حجة.
وأصله ما ذكرنا: { يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ } من الوجوه التي ذكرنا: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } من جهة العقل، { وَلاَ هُدًى } أي: ولا بيان من جهة السنة، { وَلاَ كِتَابٍ } من الله فيه حجة له، وأسباب العلم هذه، فلم يكن له شيء مما ذكر، وبالله العصمة.
قال أبو عوسجة: المرح: النشاط، وهذا لا يكون إلا من الكبر؛ لأنه يتبختر، { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }، أي: امش مشياً رفيقاً، { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أي: ارفق لا تصوت صوتاً شديداً، وهذا - أيضاً - من التبختر، { وَأَسْبَغَ }، أي: أوسع، والسابغ: الواسع التام الطويل العريض.
وقال القتبي: الأصعر: مُعْرِض الوجه، [و]أنكر الأصوات: أقبحها، عرفه قبح رفع الصوت في المخاطبة.
وقوله: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ }.
يحتمل قوله: { وَجْهَهُ }، أي: نفسه؛ كأنه قال: ومن يسلم نفسه لله، وجعلها سالمة له لم يجعل لأحد فيها شركا.
{ وَهُوَ مُحْسِنٌ }.
في عمله إلى نفسه، أي: لا يستعملها إلا في طاعة الله، وفيما أمر به، فإذا فعل ذلك، { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ }، أي: فقد استمسك بأوثق العرا وأثبتها؛ على ما ذكر في آية أخرى:
{ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } [البقرة: 256]، أي: فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع ولا زوال؛ لأنها ثبتت بالحجج والبراهين، لا بالهوى؛ فكل شيء ثبت بالحجة والبرهان - فهو ثابت - أبدا لا زوال له ولا انقطاع، وكل شيء ثبت بالهوى؛ فهو يزول وينقطع عن قريب؛ لزوال الهوى.
وجائز أن يكون قوله: { وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ }، أي: يسلم وجه أمره لله؛ فالوجه عبارة وكناية عن أمره، أي: يسلم أمره إلى الله ويفوضه إليه.
أو يكون كناية عن نفسه؛ فتأويله ما ذكر بدءاً. وأهل التأويل يقولون: { يُسْلِمْ وَجْهَهُ }، أي: دينه لله، أي: يخلص دينه لله، كقوله:
{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [البقرة: 148] أي: لكل أهل دين ومذهب، والله أعلم.
وقوله: { وَهُوَ مُحْسِنٌ } يحتمل وجوهاً:
أحدها: ما ذكرنا: وهو محسن إلى نفسه في عمله: لا يستعملها إلا فيما أمر بالاستعمال فيه، وهو طاعة الله لا يوقعها في المهالك.
أو هو محسن إلى الناس بالمعروف والبر.
أو محسن، أي: عالم؛ كما يقال: أحسن، أي: علم.
وبعض أهل التأويل يقول: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ }، أي: أخلص عمله لله، { وَهُوَ مُحْسِنٌ }، أي: مؤمن؛ كقوله:
{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [طه: 112]، وهو قول: ابن عباس ومقاتل، يقول: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ }، أي: يخلص دينه لله، { وَهُوَ مُحْسِنٌ }: في عمله، { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ }.
وقوله: { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ }: هو ما ذكرنا: أنه استمسك بأوثق العرا وأثبتها؛ لأنه إنما ثبت بالحجة والبرهان لا بالهوى والتمني، والله أعلم.
وقوله: { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ }.
هذا يخرج على وجوه:
أحدها: وإلى الله تدبير عاقبة الأمور وتقديرها، لا إلى الخلق.
والثاني: إلى من له التدبير والتقدير يرجع عاقبة الأمور.
أو أن يخص رجوع عاقبة الأمور والمصير والرجوع إليه والبروز له والخروج، وإن كانوا في جميع الأوقات كذلك؛ لما ذكرنا - أن المقصود من خلق هذا العالم - العالم الثاني، والمقصود من خلق الدنيا: الآخرة؛ إذ به يصير حكمة وحقا؛ فخص ذلك له وأضافه إليه كذلك.
أو يذكر ذلك؛ لما لا ينازع في ذلك اليوم وقد نوزع في هذه؛ ولذلك قال:
{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16].
وقوله: { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ }.
حزنا تتلف وتهلك فيه، كقوله:
{ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8]؛ فيخرج قوله: { فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ } على التخفيف عليه والتسلي، ليس على النهي، وكذلك قوله: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] على التخفيف عليه والتيسير، ليس على ترك الإشفاق والحزن عليهم؛ لأن رسول الله كادت نفسه تهلك؛ إشفاقاً عليهم وحزناً على كفرهم؛ فيخرج ذلك على التخفيف عليه والتسلي.
والثاني: قوله: { فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ }: لا يحزنك تكذيبه إياك؛ فذكر كفره؛ لأنه بتكذيبه ما يصير كافرا وهو سبب كفره؛ كقوله:
{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ... } الآية [آل عمران: 176]: كان رسول الله يحزن ويهتم بتكذيبهم إياه فيما يقول ويخبر عن الله، فيقول: لا يحزنك تكذيبهم إياك؛ فإنهم إلينا يرجعون فنجزيهم ونكافئهم جزاء التكذيب.
والثالث: { فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ }، أي: فإن ضرر ذلك الكفر عليهم لا عليك؛ كقوله:
{ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ... } الآية [الأنعام: 52]، ونحوه من الآيات، يخبر رسوله ألا يحزن على كفر من كفر؛ فإن ضرر ذلك يلحقه، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ }.
هذا وعيد، أي: إلينا مرجعهم فننبئهم عما غفلوا عنه واختاروه في الدنيا، فيحفظونه ويتذكرون ما عملوا.
أو أن يكون قوله: { فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ }، أي: نجزيهم ونكافئهم جزاء أعمالهم ومكافأتهم.
{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }.
أي: عالم بما كان منهم وما جزاؤهم، والله أعلم.
وقوله: { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً }.
أي: في الدنيا؛ لأن متاع الدنيا قليل، على ما وصفه:
{ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [النساء: 77]، أي: يتمتعون [و]يعمرون بذلك القليل.
{ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ }.
يذكر هذا مقابل ما ذكر لأهل الجنة؛ حيث قال:
{ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف: 108]، فيخبر أن أهل النار يضطرون ويدفعون إلى النار، لا أنهم يدخلونها اختيارا؛ كقوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور: 13].
وقوله: { غَلِيظٍ } جائز أن يكون كناية عن امتداده وطوله.
وجائز أن يكون كناية عن شدته وألمه أو جراحته؛ كقوله:
{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ... } الآية [المؤمنون: 104].
وقيل: يغلط عليهم العذاب لوناً بعد لون، والله أعلم.