خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً
٩
إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ
١٠
هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً
١١
-الأحزاب

تأويلات أهل السنة

اشكروا ما أنعم الله عليكم وأحسنوا صحبة نعمه في النصر لكم والدفع عنكم، ثم الأمر في تذكير ما أنعم عليهم وجوه من الحكمة والدلالة:
أحدها: تذكير لنا في مقاساة أولئك السلف من أصحابه في الدين، وعظيم ما امتحنوا في أمر الدين، حتى بلغوا الدين إلينا؛ لكيلا نضيعه نحن، بل يلزمنا أن نحفظه ونتمسك به، ونتحمل فيه، كما تحمل أولئك.
والثاني: فيه آية لهم وذلك أنهم كانوا جميعاً هم وأعداؤهم، فجاءتهم الريح والملائكة فأهلكتهم دون المؤمنين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نصرتُ بالصَّبَا، وأُهلِكَ عادٌ بالدَّبُور" ، وذلك آية عظيمة.
والثالث: يذكرهم ما أتاهم من الغوث عند إياسهم من أنفسهم وشرفهم على الهلاك وخروج أنفسهم من أيديهم؛ لأن العدو قد أحاطوا بهم؛ حيث قال: { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ }، وبلغ أمرهم وحالهم ما ذكر، حيث قال: { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ... } الآية.
أو أن يذكر لما كان منهم من العهد والميثاق ألا يولّوا الأدبار، ولا يهربوا كقوله:
{ وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ... } الآية [الأحزاب: 15]: يذكرهم عظيم نعمه التي كانت عليهم في النصر لهم على عدوّهم والدفع عنهم، وحالهم ما ذكر في الآية، وذلك كان يوم الخندق تحزبوا المؤمنين في ثلاثة أمكنة يقاتلونهم من كل وجه شهراً، فبعث الله عليهم بالليل ريحاً باردة، وبعث الملائكة فغلبتهم، والله أعلم.
وقوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }.
يذكر أنه لا عن غفلة وسهو ترككم هنالك حتى أحاط بكم العدو؛ ولكن أراد أن يمتحنكم محنة عظيمة.
أو يقول: إنه بصير عليم فيجزيكم جزاء عملكم وصبركم على ذلك، والله أعلم.
وقوله: { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ }.
قال بعضهم: من فوق الوادي ومن أسفل منه.
وقيل: أحاطوا بهم من النواحي جميعاً.
وجائز أن يكون ذلك كناية عن الخوف، أي: أحاطوا بهم حتى خافوا على أنفسهم الهلاك؛ وعلى ذلك يخرج قوله:{ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ }.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: هذا وصف المنافقين { زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ }، أي: شخصت، { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ }؛ لشدة خوفهم، كقوله:
{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [الأحزاب: 19]، وأمثال هذا قد وصفهم في غير آي من القرآن ما وصف هاهنا، وهذا يشبه أن يكون.
وقال بعضهم: هذا وصف حال المؤمنين: شخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر؛ لمّا اشتد بهم الخوف؛ لما أحاطوا بهم من فوق ومن أسفل.
ثم جائز أن يكون ذلك على التمثيل، أي: كادت أن تكون هكذا.
وجائز أن يكون على التحقيق، وهي أن تزول عن أمكنتها، وبلغت ما ذكر، والله أعلم.
وقوله: { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }.
قال بعضهم: ظن ناس من المنافقين ظنونا مختلفة، يقولون: هلك محمد وأصحابه، ونحوه من الظنون الفاسدة السوء، وكقوله:
{ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [الأحزاب: 12]، ونحوه.
وجائز أن يكون ذلك الظن من المؤمنين: ظنوا بالله ظنوناً لتقصير أو تفريط كان منهم نحو قوله:
{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة: 25]، وكقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ... } الآية [آل عمران: 155].
ثم قال: { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } بالقتال وأنواع الشدائد.
{ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً }:
قيل: جهدوا جهداً شديداً، وقيل: حركوا تحريكاً شديداً.