خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٨
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٩
قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ
٣٠
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
٣١
قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ
٣٢
وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٣٣
-سبأ

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ }، يا محمد، { إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً }، بالجنة لمن اتبعه، { وَنَذِيراً } بالنار لمن خالفه وعصاه.
وقوله: { كَآفَّةً لِّلنَّاسِ }، قال بعضهم، أي: ما أرسلناك إلا جامعاً للناس إلى الهدى داعياً إليه.
ومنهم [من] يقول: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ }، أي: ما أرسلناك إلا إلى الناس جميعاً إلى العرب والعجم، وإلى إلإنس والجن، ليس كسائر الأنبياء؛ إنما أرسلوا إلى قوم دون قوم، وإلى بلدة دون بلدة.
وكذلك روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أعطيت أربعاً لم يعطهن نبي قبلي: أحدها (ما ذكرنا): بعثت إلى الناس جميعاً عامة: إلى الأحمر والأسود، والعرب والعجم، والثاني: جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، وأرعب لنا عدوّنا مسيرة شهرين، وأحلت لي الغنائم" .
وقوله: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
قال بعضهم: لا يصدّقون، ويحتمل لا يعلمون، أي: لا ينتفعون بما يعلمون، ولا يعملون. أو لا يعلمون حقيقة؛ لما لم ينظروا إلى الحجج والآيات [التي] قد مكن لهم: لو نظروا علموا، والله أعلم.
وقوله: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
هذا القول منهم إنما يقولون على الاستهزاء والسخرية، ليس على الاسترشاد على أنه لا يكون ذلك، وأنه كذب؛ كقوله:
{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [الشورى: 18]: أخبر أن أولئك يستعجلون بها؛ لتركهم الإيمان بها استهزاء منه، والذين آمنوا خائفون منها؛ لإيمانهم بها أنها كائنة لا محالة، لكن الله - سبحانه - لم يجبهم بما يجاب المستهزئ؛ ولكن أجابهم بما يجاب المسترشد؛ بلطفه وكرمه وجوده حيث قال: { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ }.
أي: لكم ميعاد [اليوم] الذي وعدكم محمد أنه كائن لا محالة، وهو يوم { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ }، وهكذا الواجب على كل مسئول إذا كان سائله سؤال استهزاء أن يجيبه جواب ما يجاب المسترشد، لا ما يجاب المستهزئ، ولا يدع علمه وحكمته لسفه السفيه، ولا لهزأ الهازئ، ولكنه يحفظ حكمته وعلمه وعقله، ولا يشتغل بجواب مثله، وبالله العصمة.
وقوله: { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ }.
فإن كان على طلب التأخير وطلب التقديم، ففيه تعيير وتوبيخ لهم؛ كأنه يقول: ليس لكم من الخطر والقدر والمنزلة ما يؤخر لكم ما تستأخرون أو يقدم لكم ما تستقدمون.
وإن كان على تحقيق ترك التأخير وترك التقديم، كأنه يقول: ميعادكم يوم لا تملكون تأخيره إذا جاء، ولا تقديمه عن وقته ولا رفعه، والله أعلم.
وقوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ }.
كأن هذا القول منهم - والله أعلم - خرج عن مخاصمة وقعت بينهم وبين المؤمنين في شأن القرآن أو في شأن محمد؛ فتحاكموا إلى [أهل] الكتاب على اتفاق منهم على ما في كتبهم، فلما خرج ذلك على موافقة قول المؤمنين، ومخالفة قول أولئك - قالوا عند ذلك: { لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ }، وإلا على الابتداء من غير تنازع وخصومة كان بينهم في ذلك مستقيم.
ويذكر بعض أهل التأويل - ابن عباس وغيره -: أن رهطا بعثهم قريش إلى المدينة إلى رؤساء اليهود؛ يسألونهم عن محمد وبعثه؛ فأخبروهم أنه كائن وأنه مبعوث، فلما رجعوا إليهم فأخبروهم أنهم قد عرفوه، وهو عندهم في التوراة والإنجيل - فعند ذلك قالوا ما قالوا ثم كأنه اشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل عليه؛ فقال له على التعزية والتصبير على ذلك: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ }.
أي: محبوسون عند ربهم، أي: على محاسبة ما كان منهم من العناد والمكابرة والتكذيب، أي: لو رأيتهم ما فيهم من الذل والهوان والخضوع لرحمتهم ولأخذتك الرأفة لهم، والله أعلم.
وقوله: { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ }.
أي: يلوم بعضهم بعضا؛ فيقولون ما ذكر.
{ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ }، أي: السفلة والأتباع، { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ }، أي: القادة منهم والرؤساء، { لَوْلاَ أَنتُمْ } فيما صرفتمونا عن دين الله وصددتمونا عنه، { لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } به تابعين له؛ لأنهم كانوا يصدرون لآرائهم ويقبلون قولهم؛ لما هم كانوا أهل شرف ومعرفة، والسفلة لا، فيقولون: لولا أنتم لكنا نتبع رأي أنفسنا، فنؤمن به، لكن قلتم لنا: إنه كذب، وإنه افتراء، وإنه سحر؛ فنحن صدقناكم في ذلك.
{ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ }.
قوله: { أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ } هو على التقدير: أي: لم نصدّكم، وإن كان ظاهره استفهاماً، ولكن أنتم بأنفسكم تركتم اتباعه؛ لأن الرؤساء منهم كانوا يقولون للأتباع:
{ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } [المؤمنون: 33] أخبروا أنه بشر مثلهم، ثم أخبروهم: أنكم إذا أطعتم بشراً مثلكم إذاً تكونوا خاسرين، ونحن بشر، فكيف اتبعتمونا وأطعتمونا؟.
{ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ }.
في اتباعكم بما اتبعتموه.
أو أن يكون قوله: { لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ }، أي: لولا تلبيسكم علينا وتمويهكم أن الرسل كذبة، وأنهم سحرة فيما يقولون ويدعون، وأنهم يفترون على الله - وإلا لكنا مؤمنين.
والثاني: لولا منعكم إيانا عن النظر والتفكر في أمورهم، والتأمل في الحجج والآيات لكنا مؤمنين؛ هذا قول الأتباع للرؤساء.
ثم أجاب لهم الرؤساء فقالوا:{ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ }، يقولون - والله أعلم -: إن صددناكم ومنعناكم عن اتباعهم ظاهراً وعلانية؛ فمتى منعناكم سرّاً من غير أن نطلع ونعلم نحن بذلك.
أو ما ذكرنا من قوله:
{ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } [المؤمنون: 34]، وقد عرفتم أنا بشر مثلكم فأطعتمونا وتركتم طاعة الرسل؛ لأنهم بشر؛ فأجاب لهم الأتباع فقالوا: { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ }، بل يمكركم إيانا، وقولكم في الليل والنهار: إنهم كذبة سحرة، وخداعكم إيانا، وإنهم بشر مثلكم؛ تركنا اتباعهم؛ { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً }.
أو يقولون: بل مكركم في الليل والنهار { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ }، أي: من تخويفكم إيانا وتهييبكم لنا من الأخذ على البغتة والغفلة - تركنا اتباعهم في السر إذا ظهر وبلغكم الخبر به.
هذه مناظرات أهل الكفر فيما بينهم يومئذ، وردّ بعضهم على بعض، ولعن بعضهم على بعض؛ يذكرها في الدنيا، ليلزمهم الحجة، وألا يقولوا يومئذ:
{ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 172].
فإن قيل: إنهم كانوا لا يؤمنون بهذا القرآن ولا بالبعث؛ فكيف يلزمهم ذلك، وهم لا يستمعون له؟!.
قيل: إنهم قد مكنوا من الاستمتاع والنظر فيه؛ فيلزمهم الحجة، وإن لم يستمعوا له، والله أعلم.
وقوله: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ }.
قال بعضهم: أسروا الرؤساء الندامة؛ بصرف الأتباع وصرف أنفسهم عن دين الله واتباع الرسل لما رأوا العذاب.
وقيل: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ }: الأتباع والرؤساء جميعاً.
وقوله: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ }، قال [بعضهم]: من الإسرار والإخفاء، أخفى بعضهم من بعض.
وقال بعضهم: أخفى الكفرة الندامة عن المؤمنين.
وقال القتبي: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ }، أي: أظهروا، وهو من الأضداد، يقال: أسررت الشيء: أخفيته وأظهرته.
وأما غيره من أهل التأويل فإنهم قالوا: هو من الإخفاء.
وقوله: { وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }.
الأغلال: جماعة الغل: وهو ما يجعل في اليد، ثم يشد اليد إلى العنق.
{ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
أي: لا يجزون إلا جزاء عملهم في الدنيا.