خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
١٣
إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ
١٤
قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ
١٥
قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ
١٦
وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٧
قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨
قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ
١٩
-يس

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ }.
يحتمل الأمر لرسوله بضرب مثل أصحاب القرية لقومه وجهين:
أحدهما: أن الخبر قد كان بلغ هؤلاء، أعني: خبر أصحاب القرية التي بعث إليهم الرسل، وما نزل بهم بتكذيبهم الرسل وسوء معاملتهم إياهم، إلا أنهم قد نسوا ذلك وغفلوا عنه، فأمرهم بالتذكير لهم والتبيين؛ ليحذورا عن مثل صنيعهم وسوء معاملتهم رسولهم.
والثاني: يحتمل أن لم يكن بلغهم خبر أولئك وما نزل بهم بسوء معاملتهم الرسول، فأمره أن يعلم قومه ذلك ويبين لهم، فيسألون عن ذلك أهل الكتاب، فيخبرونهم بما كان في كتبهم؛ فيعرفون صدق رسول الله فيما يخبرهم، فيكونون على حذر عن مثل صنيعهم ومعاملتهم الرسل؛ وعلى ذلك تخرج هذه الأنباء والقصص المذكورة في الكتاب على هذين الوجهين، والله أعلم.
وقوله: { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ }.
أي: قوينا بثالث، اختلف فيه:
قال بعضهم: إن عيسى بن مريم كان بعث إليهم أولا رسولا فأتاهم، فدعاهم إلى التوحيد، وأقام على ذلك حججاً وبراهين، فكذبوه وقالوا: ما نعرف ما تقول، ثم بعث من بعده رسولين فقال لهما ذلك الرسول: إنهم سيكذبونكما كما كذبوني قبلكما وسيقولون لكما إذا دعوتماهم إلى التوحيد: ماذا تحسنان؟ فإذا قلتما: نبرئ الأكمه والأبرص، قالوا: فينا من يحسن ذلك، فإن قلتما: نشفي المريض، قالوا: فينا من يحسن ذلك ونحوه، ولكن قولا أنتما: نحيي الموتى، وأنا أقول لهم: إني لا أحسن أنا؛ فهو قوله: { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي: قوّينا وشددنا بثالث، ففعلوا ذلك فقالوا عند ذلك: قد تواشيتم علينا بهذا الكلام، أو تواطأتم، أو كلام نحوه، فأخذوا وعذبوا وأهلكوا؛ وهو قول ابن عباس، رضي الله عنه:
ومنهم من يقول: بعث أوّلا رسولان فكذبوهما، فبعث ثالث بعد ذلك { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ }، أي: عززنا الرسولين بثالث، أي: قويناهما.
وقرأ بعضهم: { عَزَزْنا } بالتخفيف، أي: غلبنا.
لكن ذكر أنهم قتلوا جميعاً وأهلكوا - أعني: الرسل - فكيف يكون الغالب مقتولا مهلكاً؟!
ويجوز أن يكون المقتول مقوِّيا؛ دل أن قراءة من يقرأ بالتخفيف ضعيف والأول أقوى وأقرب، والله أعلم.
وقوله: { فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ }.
وكذلك قول أهل مكة لرسول الله: إنه ساحر وإنه مجنون وإنه مفتر مختلق، وقولهم: { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ }.
وقوله: { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ }.
لما أيسوا من إيمانهم وتصديقهم إياهم، فزعوا إلى الله، وتضرعوا إليه.
أو أن يقولوا بأن الله أعلم بما أطلعكم بأنا إليكم لمرسلون بالحجج والآيات.
وقوله: { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }.
أي: ليس علينا من ترك إجابتكم لنا ورد الرسالة شيء، إنما ذلك عليكم.
وقوله: { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ }.
دل هذا القول منهم على أنه قد نزل شيء من العذاب والشدة حتى تشاءموا بهم ذلك ولم يزل عادة الكفرة التطير بالرسل عند نزول البلاء بهم؛ كقوله:
{ قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } [النمل: 47]، وقوله: { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ... } الآية [الأعراف: 131].
وقوله: { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ }.
يقول - والله أعلم -: شؤمكم معكم حيثما كنتم ما دمتم على ما أنتم عليه من العناد والتكذيب، ويذكر أهل التأويل: أن القرية كانت أنطاكية وأن الذي بعث هؤلاء الرسل إليهم عيسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ولكن لا نعلم ذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله: { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }.
قال بعضهم: تشاؤمكم معكم أين كنتم وحيثما كنتم، ما دمتم على ما أتنم عليه.
وقال بعضهم: طائركم معكم إذ ذكرتم فلم تقبلوا التذكير ونحوه.
ويحتمل وجهاً آخر: أن الذي أصابكم كان مكتوباً في أعناقكم، أئن وعظتم بالله تطيرتم بنا { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }.