خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
٤١
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
٤٢
وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ
٤٣
إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ
٤٤
-يس

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ }.
اختلف في ذلك الفلك:
قال بعضهم: هي السفينة التي حمل فيها نوح وأتباعه.
وقال بعضهم: أراد به السفن كلها التي يحمل عليها ويركب.
والفلك: يقال: هو واحد وجماعة، فإن كان المراد بالفلك السفينة المشار إليها وهي سفينة نوح، كان قوله: { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } غيرها من السفن التي اتخذت للركوب.
وإن كان المراد به غيرها من السفن، كان قوله: { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } إنما هي الأنعام التي يركبون عليها في المفاوز والبراري، كقوله:
{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [الزخرف: 12] ونحوه.
ثم إن كان المراد بقوله: { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } السفن، كان في ذلك نقض قول المعتزلة في قولهم: أفعال العباد ليست بمخلوقة؛ حيث أخبر أنه خلق السفن، والسفن إنما سميت سفنا بعد ما اتخذت ونحتت، فأما قبل ذلك، فهي تسمى: خشباً، والله أعلم.
ثم قوله: { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ }.
يحتمل قوله: { حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } معنيين:
أحدهما: أنا حملنا مَنْ أَنْتُم مِنْ ذريَّتِهم في الفلك المشحون، وهم الذين حملهم مع نوح في سفينته.
والثاني: أنا حملنا ذرية قومك في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم في الفلك، نسبهم إليهم لما أنهم أصل لهؤلاء؛ كقوله:
{ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [الروم: 20]، وإنما نسبنا إلى آدم؛ لأنه أصلنا وهو المخلوق من التراب فعلى ذلك هذا، لكن الفائدة في التأويل الأول غير الفائدة في التأويل الثاني إن كان المراد بقوله: { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا } من أنتم من ذريتهم هذا، ففائدته: أنكم من ذرية من نجا منهم من آبائكم، وهم الذين آمنوا برسولهم وصدقوه، لا من كذب به، فكيف لا اتبعتموهم؟! لأن العرب من عادتهم لا يزالون محتجين: { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23].
وإن كان المراد المعنى الثاني فيقول: إن في آبائكم من قد صدق الرسل، وآمن بهم، ومنهم من كذبهم، فكيف اتبعتم الذين كذبوهم دون الذين صدقوهم؟!
ثم جهة الآية في الفلك ما ذكرنا فيما تقدم في غير موضع: إما في تذكير ما أنعم عليهم حيث سخر لهم ما في البحار والبراري حتى يصلوا إلى قضاء حوائجهم ومنافعهم في الأمكنة النائية البعيدة بالسفن التي أنشأها لهم والأنعام التي خلقها لهم.
أو يخبر عن قدرته وسلطانه: أن من قدر على تسخير هذا وإيصال هذا بهذا، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء.
أو يخبر عن وحدانيته وربوبيته؛ إذ لو كان ذلك فعل عدد لامتنع ولم يتصل، ولم يصلوا إلى قضاء حوائجهم.
أو يخبر عن سفههم بعبادتهم الأصنام التي عبدوها؛ حيث قال: { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ... } الآية، يخبر أنا لو شئنا إغراقهم لا يملك الأصنام التي يعبدونها الإغاثة لهم والاستنقاذ من ذلك، بل هو المالك لذلك؛ كقوله:
{ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67]، وكقوله: { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [الأنعام: 63].
وقوله: { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }.
يحتمل قوله: { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا }، أي: لو شاء لأهلكهم، واستأصلهم بالعناد والتكذيب للرسول كما فعل بأوائلهم، لكن برحمته أخر عن هؤلاء ذلك، وجعل لهم متاعاً إلى حين، وذلك منه رحمة، والذين كانوا من قبل عند رؤيتهم بأس الله، كقوله:
{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ... } الآية [غافر: 84]، ثم أخبر أنه لم ينفعهم ذلك حيث قال: { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } [غافر: 85]، ولكن رحم هؤلاء؛ لمكان رسول الله؛ فقبل إيمانهم عند رؤيتهم بأس الله.
وفي قوله: { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ... } الآية دلالة نقض قول المعتزلة لقولهم في الأصلح؛ لما لا يخلو: إما أن يكون إغراقه إياهم أصلح لهم في الدين، أو إبقاؤه إياهم: فإن كان إغراقه إياهم أصلح لهم في الدين، والله أعلم.