خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣
وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
٥٤
وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٥٥
أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ
٥٦
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ
٥٧
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٨
بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ
٥٩
وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ
٦٠
وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦١
-الزمر

تأويلات أهل السنة

قوله: { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ }.
قال بعض أهل التأويل: إن الآية نزلت في شأن الوحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب في الجاهلية أنه أراد أن يسلم الوحشي؛ فذكر ما كان منه من قتله [حمزة] - رضي الله عنه - فظن أنه لا يقبل منه؛ لعظم جنايته؛ فنزلت الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لينبئه، وأخبر أنه لا يقبل منه بعد ذلك، والله أعلم.
وقال بعضهم: لا؛ ولكن ناساً قد أصابوا ذنوباً عظاماً في الجاهلية من نحو القتل والزنا وكبائر؛ فأشفقوا ألا يتاب عليهم؛ فأنزل الله هذه الآية يدعوهم إلى التوبة والإسلام، وأطمع لهم القبول منهم والتجاوز عما كان منهم، وهو كأنه أولى؛ لأن الوحشي من كان حتى ينزل الله الآية بشأنه خاصة؟!
ثم قوله - عز وجل -: { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: يقول - والله أعلم -: { يٰعِبَادِيَ } الذين جنوا على أنفسهم، وأوردوها المهالك بارتكاب ما ارتكبوا من الإسراف والكبائر { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ }؛ فإن قنوطكم من رحمة الله وإياسكم منه لا يغفر ولا يجاوز وذلك أعظم وأفظع؛ إذ رجع أحدهما إلى أنفسهم والآخر إلى رحمة الله وفضله.
والثاني: يقول: إنكم وإن أسرفتم فيما ارتكبتم من الكبائر والفواحش، وأعرضتم عن أمر الله فلا تقنطوا من رحمة الله بعد إذ تبتم عما كنتم فيه، ورجعتم عما كان منكم [وأما] في الوقت الذي خرجت أنفسكم من أيديكم؛ فلا يقبل ذلك منكم، وهو وقت نزول العذاب بهم وإشرافه عليهم؛ لأن التوبة في ذلك الوقت توبة اضطرار وتوبة دفع العذاب عن أنفسكم؛ كقوله - عز وجل -:
{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84]، ثم أخبر أنه لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت الذي خرجت أنفسهم من أيديهم؛ حيث قال - عز وجل -: { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85]، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً }.
لمن يشاء.
{ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }.
وذكر عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أنه قال: أرجى آية في القرآن هذه الآية، وذكر أن سورة الزمر كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية، فإنها نزلت بالمدينة، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ... } الآية.
كأنها صلة ما تقدم من قوله: { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } بعد إذ أقبلتم إلى قبول ما دعيتم إليه ورجعتم عما كان منكم، ثم قال - عز وجل -: { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ }:
قال بعضهم: أنيبوا بقلوبكم إلى طاعة ربكم، وأخلصوا له تلك الطاعة، ولا تشركوا فيها غيره.
قيل: { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ }، أي: ارجعوا إلى ما أمركم ربكم، { وَأَسْلِمُواْ لَهُ }، أي: أخلصوا له التوحيد، أو أن يقول: اجعلوا كل شيء منكم له.
وأصل الإنابة: هو الرجوع إلى طاعة الله والنزوع عما كان عليه لأمر الله، يقول - عز وجل -:
{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ... } الآية [الروم: 31]. وقوله - عز وجل -: { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } يقول - والله أعلم - على الصلة بالأول: أن أنيبوا له وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب؛ فلا يقبل منكم الإنابة والتوبة؛ إذ أقبل عليكم العذاب.
{ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }.
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: ثم لا تنصرون بإنابتكم إلى الله - عز وجل - في ذلك الوقت الذي أقبل عليكم العذاب [فيه]، على ما ذكرنا، أي: لا تخافون من ذلك الوقت.
والثاني: لا تنصرون بعبادة من عبدتموه من الأصنام والأوثان؛ على رجاء أن يشفع لكم ويدفع عنكم العذاب.
أي: أنيبوا إلى عبادة الله الحق قبل نزول العذاب بكم؛ فإنكم إن كنتم على عبادة من تعبدون دونه لا تنصرون، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ }.
يحتمل وجوهاً:
أحدها: كأنه يقول: اتبعوا ما أمركم ربكم، وانتهوا عما نهاكم ربكم عنه.
والثاني: اتبعوا ما في القرآن وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه واجتنبوه، يقول: اعملوا به وبادروا في العمل به من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة.
والثالث: أن الله - عز وجل - قد بين السبيلين جميعاً: سبيل الخير والشر على الإبلاغ؛ فيقول: اتبعوا سبيل الخير منه، ولا تتبعوا سبيل الشر؛ فيكون تأويل هذا كأنه يقول: اتبعوا الحسن منه، ولا تتبعوا غيره، ونحو ذلك، وقد ذكرناه فيما تقدم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }.
كأنه موصول بالأول، يقول: لا يؤخرون الإنابة إليه والتوبة، فإن العذاب لعله سينزل بكم في وقت لا تشعرون أنتم به، ولا تقدرون أن ترجعوا إليه وتنيبوا، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ }.
هذا وما بعده من الآيات كأنه موصول بقوله - عز وجل -: { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ } من قبل { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ... } الآية.
وقبل أن تقول:{ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }، وقبل أن تقولن { حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }، كأن كل ذلك صلة ما تقدم من قوله: { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ }، { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } من قبل أن يقول ما ذكر، في وقت لا ينفعه ذلك القول ولا يغنيه من عذاب الله، ولا يدفعه.
ثم قوله: { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ }.
قال بعضهم: في ذات الله.
وقال بعضهم: ما فرطت وضيعت من أمر الله، وأمثال ذلك، ولسنا نحتاج إلى تفسير قول ذلك الرجل الذي كان منه حتى قال ذلك، وهو تضييع توحيد الله أو تضييع حد الله، أو ما كان فيه من تكذيب البعث؛ يتأسف على ما كان منه من تضييع ما ذكرنا: من توحيد الله وحدوده، أو كفران نعمه، أو إنكاره ما ذكرنا من البعث، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ }:
قال بعضهم: { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ }: من القرآن.
وقال بعضهم: من أهل توحيد الله.
قال قتادة: لم يكتف أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر من أهل طاعته، وقال: هذا قول صنف منهم.
وقوله - عز وجل -: { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ... } إلى آخره.
قول صنف منهم جائز ما قال: إن كل قول من ذلك قول صنف، على ما قال قتادة.
وجائز أن يكون كل ذلك من كل كافر، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }.
ذلك الكافر الذي قال هذا القول أعرف بهداية الله من المعتزلة؛ وكذلك ما قال أولئك الكفرة لأتباعهم؛ حيث قالوا:
{ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [إبراهيم: 21] يقولون: لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن حيث علم منّا: اختيار الضلال والغواية، وترك الرغبة إلى الهدى والاستخفاف به - أضلنا وخذلنا ولم يوفقنا.
والمعتزلة يقولون: بل هداهم الله وأعطاهم التوفيق، لكنهم لم يهتدوا.
فإن قيل: هذا قول أهل الكفر؛ فلا دلالة فيه لما تذكرون.
قيل: وإن كان ذلك قول الكفرة، فذلك القول منهم عند معاينة العذاب؛ فلو كان على خلاف ما ذكروا لكان الله يكذبهم في ذلك؛ كما كذبهم في أشياء قالوها؛ حيث قالوا:
{ فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } [السجدة: 12]؛ فقال الله - عز وجل -: { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]، ونحوه، والله أعلم.
والأصل في الهداية: أن عند الله لطفاً: من أعطى ذلك اهتدى، وهو التوفيق والعصمة، ومن حرم ذلك ولم يعطه، ضل وغوى، ويكون استيجاب العذاب وما ذكر؛ لتركه الرغبة في ذلك، والاستخفاف به، وتضييعه واشتغاله بضده؛ لذلك كان ما ذكرنا، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }: الشرك أو المهالك، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً }.
أي: رجوعاً:
{ فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }.
قيل: من الموحدين.
ويحتمل كل إحسان وطاعة، والله أعلم.
وقد كذبه - عز وجل - في قوله هذا؛ حيث قال:
{ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]، ثم كذبهم في قولهم: { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }، وفي قولهم: { لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }؛ حيث قال الله - عز وجل -: { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }.
يقول - والله أعلم -: بلى قد جاءتك آياتي، وبينت لك الهداية من الغواية، وسبيل الحق من الباطل، والخير من الشر، والكذب من الصدق، ومكنت من اختيار الهداية على الغواية، ومكن لهم اختيار الحق على الباطل والصدق على الكذب، ولكن تركتم ذلك، وضيعتم واستخففتم به، واشتغلتم بضد ذلك؛ فإنما جاء ذلك التضييع من قبلكم لا من قبل الله - عز وجل - قد أتى بالحجج والآيات والبيان في ذلك غاية ما يجب أن يؤتى ما لم يكن لأحد عذر في الجهل في ذلك والترك، والله أعلم.
وأكثر القراءات على التذكير في قوله - عز وجل -:{ بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي... } إلى آخره: على إرادة المخاطبة، وقد يقرأ بالتأنيث؛ على إرادة النفس التي تقدم ذكرها والخبر عنها، ويروى في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالتأنيث: { بلى قد جاءتْكِ }، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ }.
كذبهم على الله يحتمل وجوهاً:
أحدها: في التوحيد؛ حيث قالوا بالولد والشركاء.
ويحتمل ما قال - عز وجل -:
{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف: 28] وكان الله - عز وجل - لم يأمرهم بذلك، فكذبوا على الله - عز وجل - أنه أمرهم بذلك.
أو ما قالوا:
{ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]، و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3].
أو أن يكون كذبهم على الله هو إنكارهم البعث، وقولهم: إن الله لا يقدر على البعث والإحياء بعد الموت، ونحو ذلك، والله أعلم.
والمعتزلة يقولون في قوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ }: هم المجبرة. فيجيء أن يكونوا هم أقرب في كونهم في وعيد هذه الآية من المجبرة؛ لأنهم يقولون: إن الله لا يأمر أحداً بشيء إلا بعد أن أعطى جميع ما يعمل ويقتضي به؛ حتى لا يبقى عنده شيء من ذلك، ثم قال ذلك، ثم يسأل ربه المعونة والعصمة؛ فهو بالسؤال كاتم لما أعطاه، وهو كفران النعمة؛ لأنه يسأل ما قد أعطاه ربه، أو أن يكون هازئاً به؛ لأنه يسأل وليس عنده ما يسأل على قولهم على ما ذكرنا من مذهبهم، وكل من يسأل [من] يعلم أنه ليس عنده ذلك ولا يملك ذلك - فهو يهزأ به، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }.
على توحيد الله - أو متكبرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتكبر هو الذي لا يرى لنفسه نظيراً ولا شكلا؛ ولذلك يوصف الله - عز وجل - بالكبرياء؛ لأنه لا نظير له ولا شكل، ولا يجوز لغيره؛ لأن غيره ذا أشكال وأمثال، ولا قوة إلا بالله.
وفي حرف ابن مسعود وحفصة - رضي الله عنهما -: { على ما فرطت من ذكر }.
وفي حرف ابن مسعود أيضاً في قوله: { بلى قد جاءته آياتنا من قبل فكذب واستكبر وكان من الكافرين }، والله أعلم.
والمثوى: المقام،
{ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } [القصص: 45] من ذلك، أي: مقيماً.
وقوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } كأنه يقول - عز وجل -: لو رأيتهم يا محمد يوم القيامة لرحمتهم، وأشفقت عليهم مما هزئوا به، وما نزل بهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ }، و{ بِمَفَازَتِهِمْ } يخرج على وجهين:
أحدهما: قوله: { بِمَفَازَتِهِمْ } أي: بالأعمال والأسباب التي فازوا بها على أشكالهم.
وقوله - عز وجل -: { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
قوله - عز وجل -: { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ } بعد المفازة والنجاة، وإلا قبل ذلك قد يمسهم السوء { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهو على الجهمية وعلى أبي الهذيل العلاف إمام المعتزلة.
أما على الجهمية: لقولهم: إن الجنة تفنى وينقطع أهلها ولذَّاتها، فإذا كان ما ذكروا مسهم السوء والحزن.
وعلى قول أبي الهذيل أيضاً كذلك؛ لأنه يقول: إن أهل الجنة يصيرون بحال حتى إذا أراد الله أن يزيد لهم شيئاً أو لذة لم يملك ذلك، فإن كان ما ذكر هو مسهم السوء والحزن - أيضاً - فالبلاء على قوله: إن السوء والحزن، إنما مس رب العالمين، فنعوذ بالله من مقال يعقب كفراً.
وقوله - عز وجل -: { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على إبطال قول أولئك، والله أعلم.