خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٧٦
-النساء

تأويلات أهل السنة

[قوله - عز وجل -:] { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ }.
ذكر الاستفتاء، ولم يذكر: فيم استفتوا؟ لكن في الجواب بيان أن الاستفتاء فيم كان، وقال: { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ }.
والكلالة: ما ذكر: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي... } إلى آخر ما ذكر.
قال جابر - رضي الله عنه -: فيَّ نزلت الآية.
وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال:
"ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، ثم طعن في صدري بأصبعه، فقال: [ألا] يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي في آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟!" ، وفيه دلالة أن قد يترك بيان ما يدرك بالاجتهاد والنظر، ولا يبين؛ ليجتهد، ويدرك بالنظر؛ لأن عمر - رضي الله عنه - سأل غير مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبينه، وأشار إلى الآية التي فيها ذكر ما سأل عنه؛ لينظر ويجتهد؛ ليدرك.
وفيه دليل جواز تأخير البيان؛ لأن عمر - رضي الله عنه - سأله غير مرة، ولم يبينه حتى أمره بالنظر في الآية، وعمر - رضي الله عنه - لم يكن عرف قبل ذلك؛ فدل على جواز تأخير البيان.
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: الكلالة: من ليس له ولد ولا والد، وكذلك قال عمر - رضي الله عنه - وقال: إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر. وسئل ابن عباس - رضي الله عنه - عن الكلالة؟ فقال: من لا ولد له ولا والد.
وروي عن جابر - رضي الله عنه - قال: مرضت؛ فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر الصديق معه؛ فوجدني قد أغمي عليَّ؛ فصبَّ وضوءه عليّ، فأفقت؛ فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ وكان لي تسع أخوات؛ فلم يجبني حتى نزل قوله - تعالى -: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ... } إلى آخر ما ذكر، قال جابر - رضي الله عنه -: فِيَّ نزلت الآية.
قال بعض الناس: إذا مات الرجل؛ وترك ابنة وأختاً - فلا شيء للأخت؛ لأن الله - تعالى - قال: { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } والابنة ولد؛ [فلا ميراث] للأخت وللأخ مع الابنة؛ لأنها ولد؛ فيقال: إن الله - عز وجل - جعل للابنة النصف؛ إذا لم يكن معها ابن؛ بقوله تعالى:
{ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } [النساء: 11]؛ فإذا مات وترك ابنة وأختاً فللابنة النصف، وذلك النصف الباقي إذا لم يُعْطَ للأخت - يرد إلى الابنة؛ فيكون لها كل الميراث، وقد جعل الله - تعالى - ميراثها إذا لم يكن معها ولدٌ ذَكَرُ - النصف، أو لا يردّ إلى الابنة؛ فيجب أن ينظر أيهما أحق بذلك النصف الباقي؛ فجاء في بعض الأخبار: أن الأخوات مع البنات عَصَبَة؛ لذلك كانت الأخت أَوْلَى بذلك النصف الباقي، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ }.
ذكر للاثنتين الثلثين، ولم يذكر ما للثلاث فصاعداً منهن، وذكر في الابنة الواحدة النصف في أول السورة بقوله: { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } ولم يذكر ما للبنتين؛ ولكن ذكر الثلاث فصاعداً بقوله تعالى:
{ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } [النساء: 11] فترك بيان الحق في الابنتين؛ لبيانه في الأختين، وترك البيان للأخوات؛ لبيانه في البنات؛ ففيه دليل القياس: حيث اكتفى ببيان البعض عن الآخر.
وقوله - عز وجل -: { وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ }.
دل قوله تعالى: { إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً } أن اسم الإخوة بجميع الإناث والذكور جميعاً؛ لأنه ذكر إخوة، ثم فسر الرجال والنساء؛ فهو دليل لنا في قوله تعالى: { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } أنهم يحجبون الأم عن الثلث، ذكوراً كانوا أو إناثاً، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ }.
قيل: ألا تضلوا.
قال الكسائي: العرب تقول للرجل: أطعمتك أن تجوع، وأغنيتك أن تفتقر؛ على معنى ألا تجوع ولا تفتقر، وفي القرآن كثير مثل هذا.
ثم قوله: { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } قيل: ألا تضلوا في قسمة المواريث. وقيل: ألا تخطئوا. وقيل: ألا تخلطوا، وهو واحد.
{ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
وعيد، وبالله الحول والقوة، [والله المستعان].