خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
٣
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
٤
أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٥
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
٧
لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
-الدخان

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } قد ذكرنا تأويله فيما تقدم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } قال أهل التأويل: إنا أنزلنا الكتاب - أي: القرآن - في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالتفاريق.
ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى قوله: { حـمۤ } أي: قضى ما هو كائن على ما قال بعض أهل التأويل: إن ما قضى في كل سنة من الموت والحياة والرزق ونحو ذلك ينزل في ليلة القدر نسخها الملائكة الذين وكلوا على ذلك، فهذا يحتمل.
ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى ما ضمن في قوله: { حـمۤ } على ما أراد به، والله أعلم.
ويحتمل أنه أراد بهذا إنزال شيء وأمر في ليلة القدر، عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيخبر أنه أنزل ذلك ولم يبينوا لنا ذلك؛ لما لا حاجة لنا إلى معرفته.
وقالت الروافض في قوله - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ }: إن الله - تعالى - أنزل شيئاً على رسوله، يكون ذلك الشيء على رأسه وعلى رءوس الأئمة الذين يكونون بعده بحيث يروا ذلك دون غيرهم، إذا استقبلهم أمر أو بدا لهم شيء، نظروا في ذلك الشيء، [و] عرفوا ما احتاجوا، وما يكون لهم من الصلاح، أو كلام نحو هذا.
وأما عند أهل التأويل هو ما ذكرنا راجع إلى ذلك الكتاب المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إلى ما ذكرنا من تضمين ما ضمن في قوله: { حـمۤ }، وكذلك قالوا - أيضاً - في قوله:
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 1]، وقوله: { فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } وهي ليلة القدر، سماها: مباركة، وقد سمى المطر والماء المنزل من السماء [مباركا]؛ كقوله - تعالى -: { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً } [ق: 9]، وكذلك الأرزاق المنزلة من السماء والمستخرجة من الأرض مباركة بقوله: { بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96] والمبارك هو الذي عنده يدرك كل الخيرات، والبركة: هي اسم كل خير يكون أبداً على الزيادة والنماء، فسمى تلك الليلة: مباركة؛ لما جعل فيها من الخيرات والبركات.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }.
يحتمل { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } للخلق إذا أنشئوا وبلغوا المبلغ الذي يستوجبون الإنذار.
ويحتمل { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } الخلق بالرسل؛ هذا هو الظاهر؛ أن هذا القول من الله تعالى - والله أعلم - قال: { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } بالقرآن بما أنزل علي.
وقوله - عز وجل -: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }.
يحتمل: أي: يفصل ويبين كل أمر هو كائن في ليلة القدر.
ويحتمل: أي: يبين في ليلة القدر كل ما يكون في تلك السنة.
ثم قوله: { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } يحتمل أي: كل أمر فيه حكمة.
ويحتمل: كل أمر محكم متقن { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ }.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } الأمر الذي ذكر بقوله: { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ }، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }.
يحتمل قوله: { رَحْمَةً } أي: ما أنزل من الكتاب هو رحمة من ربك.
ويحتمل: ليلة القدر؛ أي: جعلها رحمة منه.
ويحتمل ما ذكر من أمر حكيم هو رحمة منه.
ويحتمل: أي: الرسول المبعوث إليهم رحمة منه لهم، وهو كقوله - تعالى -:
{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107].
وقوله: { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يحتمل قوله: { ٱلسَّمِيعُ } بأقوالهم التي أسروها، { ٱلْعَلِيمُ } بأفعالهم وأعمالهم التي أخفوها وأضمروها.
ويحتمل { ٱلسَّمِيعُ }: المجيب لمن دعا، { ٱلْعَلِيمُ } بما يرجع إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم.
وقوله: { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ }.
قال بعضهم: رب الشيء هو مصلحه؛ معناه: مصلح السماوات والأرض وما فيهما، وحافظ ذلك كله.
وقال بعضهم: { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: مالكهما ومالك ما فيهما.
ويحتمل: { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: خالقهما، وخالق ما فيهما، ومنشئ ذلك كله.
وقوله: { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ }.
قال بعضهم: هذا على إتمام الآية، ومراعاة المقاطع على وجهها، هذا وأمثاله يخرج على هذا، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون قوله: { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } على إثر قوله: { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: هو رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم تعلمون: أنه رب ما ذكر، فكيف تصرفون العبادة واسم الألوهية إلى من ليس برب؟! لما ذكر أن الإيقان هو العلم بالشيء حقيقة.
ثم نعت الربّ فقال: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فكأنه يقول: لا معبود يستحق العبادة سواه؛ لأن الإله هو المعبود عند العرب؛ يقول: لا تستحق الأشياء التي يعبدون العبادة إنما المستحق لها هو الذي لا إله غيره.
ويحتمل أن يقول: لا يستحق اسم الألوهية إلا هو، لا الأشياء التي سميتموها: آلهة، ثم نعته فقال: { يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: هو يحيي ويميت، وهو ربكم ورب آبائكم الأولين.
إن من عادة العرب أنهم كانوا يعبدون ويخدمون شيئاً دون الله - تعالى - رجاء أن تشفع لهم وتقربهم تلك العبادة إلى الله تعالى - فيقول: إن الذين تعبدون دونه لا يقع لهم العلم بعبادتكم إياها، فاصرفوا العبادة إلى الذي يعلم بعبادتكم على كل حال، وأخلصوا له ذلك، ولا تشركوا غيره.