خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
٩
فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
١٠
يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
١١
رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ
١٢
أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ
١٣
ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ
١٤
إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ
١٥
يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ
١٦
-الدخان

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } يحتمل قوله - عز وجل -: { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ } أي: في أمر القرآن.
ويحتمل: بل هم في شك في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } اختلف أهل التأويل فيه:
قال بعضهم: ليس هو على حقيقة الدخان، ولكن على التمثيل والمجاز.
ثم اختلف في كيفية ذلك، مع اتفاقهم أنه قد مضى ذلك وقد كان؛ قال بعضهم: { بِدُخَانٍ } أي: بجدب وقحط؛ جعل الدخان كناية عن الجدب؛ لوجوه:
أحدها: لما يقال: إن الجائع في القحط كان يرى بينه وبين السماء والناس دخاناً من شدة الجوع، كالذي يشتد به العطش يرى السراب ماء؛ وذلك لأنه لما اشتد الجوع ضعفت أبصارهم وغطاها الجوع؛ فيكون الجوع سبب ترائي الدخان، فاستعير له، ولأن في سنة الجدب تيبس الأرض، وينقطع النبات، فيرتفع الغبار، ويصعد الريح ليبسها، فيشبه ذلك الغبار الذي يرتفع من يبس الأرض بالدخان ولذلك قيل للسنة: غبراء، وقيل: جوع أغبر؛ لأن العرب ربما وضعت الدخان موضع الشر إذا علا، فيقولون: لو كان بيننا: أمر ارتفع له دخان، وقالوا: إن هذا القحط الذي جعل الدخان كناية عنه قد كان، فإنه اشتد بهم القحط، وقلت الأمطار، ويبست الأرض، وارتفع الغبار، وصعدت الريح كالدخان، وضعفت الأبصار لشدة الجوع، حتى كانوا يرون السماء كالدخان؛ على ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: كان أحدهم ينظر إلى السماء، فيرى كهيئة الدخان من شدة الجوع.
وقال بعضهم: إنما مثل الأرض يومئذ كمثل بيت أوقد ليس فيه خصاصة.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: قد مضى الدخان، وهو سنون كسني يوسف - عليه السلام - فجهد الناس، والله أعلم.
ومنهم من يقول: هو على حقيقة الدخان، وأنه لم يمض بعد، وكذلك روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: الدخان لم يمض بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وينتفخ الكافر حتى ينفذ، وكذلك قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - والحسن وغيرهم، لكن صرف الدخان المذكور في الآية على التمثيل أشبه؛ لأن الأمر إذا اشتد وبلغ نهايته يشبه بالنار والدخان، كقوله:
{ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [المائدة: 64]، وليس هناك نار، لكن وصف شدة الحرب فعلى ذلك جائز تشبيه ما اشتد بهم من الجوع والجدب والقحط بالدخان الذي ذكر، وكذلك يصف الناس الأمر إذا اشتد؛ يقولون: هاج الدخان وثار، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }، يحتمل قوله: { يَغْشَى ٱلنَّاسَ } أي: غشي الناس ما ذكر، وهو عذاب أليم؛ على تأويل من قال: إنه ماضٍ كائن.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: يغشى، فيقول الناس: هذا عذاب أليم؛ وهو على قول من يقول: إنه لم يمض بعد، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } أي: إنا نؤمن بك فيما تدعونا إليه لو كشفت عنا العذاب، في معنى الشرط والجزاء، وهو كقول [قوم] موسى - عليه السلام - حيث قالوا:
{ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ... } الآية [الأعراف: 134].
ويحتمل أن يكون قوله: { إِنَّا مْؤْمِنُونَ } على الحال؛ كأنهم قالوا: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون للحال.
ثم أخبر الله - عز وجل - أنهم لا يؤمنون، وأنهم كذبة فيما قالوا؛ حيث قال - تعالى -: { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } يقول: أنى يتوبون؟! أو من أين تنفعهم توبتهم في ذلك بعدما خرجت أنفسهم من أيديهم، وقد جاءهم رسول قبل ذلك الوقت مبين أنه رسول؟! والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } يحتمل: أي: أعرضوا عما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن.
ويحتمل تولوا عما دعاهم إليه رسول الله وأمرهم به.
ويحتمل: تولوا عن رسول الله نفسه.
وقوله - عز وجل -: { وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ }.
قولهم: { مُعَلَّمٌ } لأنهم يقولون: إنما يعلمه بشر.
وقوله: { مَّجْنُونٌ } نسبوه إلى الجنون؛ لوجهين:
أحدهما: ما ذكر: أنه إذا نزل به الوحي، تغيرت حاله ولونه؛ لثقل ذلك عليه، فيقولون: به آفة وجنون.
والثاني: لما رأوه قد خاطر بروحه ونفسه؛ لأنه خالف الفراعنة منهم والأكابر الذين كانت همتهم القتل والإهلاك لمن خالفهم ودعاهم إلى غير الذي كانوا عليه، إذن نسبوه إلى الجنون، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ }.
قال بعضهم: { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } في معاصيكم وكفركم الذي كنتم فيه.
وقال بعضهم: أي: { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } إلى عذاب يوم القيامة، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ }.
قال بعضهم: ذلك يوم بدر، وهو قول ابن مسعود - رضي الله عنه - وقول عامة أهل التأويل، وقالوا ذلك أشد من الدخان.
وقال بعضهم: هو عذاب يوم القيامة؛ وهو قول ابن عباس والحسن، والله أعلم.