خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ
١٣٤
فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ
١٣٥
فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٣٦
وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ
١٣٧
-الأعراف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ }.
قيل: الرجز: ألوان العذاب الذي كان نزل بهم من الطوفان والجراد والقمل [والضفادع] والدم، وما ذكر.
قالوا: { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ } يحتمل أن يكون كلما حل بهم نوع من العذاب سألوا أن يكشف عنهم، فقالوا: لئن كشفت لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فلما كشف عنهم الرجز نكثوا ذلك، وعادوا إلى ما كانوا من قبل.
ويحتمل أن يكون قولهم لموسى: { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ }: بعدما حل بهم أنواع العذاب، عند ذلك قالوا: { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } فلما كشف [ذلك] عنهم نكثوا عهدهم، وهو قولهم: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن بك، وعادوا إلى ما كانوا، فعند ذلك كان ما ذكر من قوله: { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } وقوله: { لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ }: بما تدعي بأنك رسول، { وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ }: أمكن أن يكون ليس على نفس الإرسال، ولكن على ترك الاستعباد، أي: لا نستعبدهم بعد هذا؛ لأنهم كانوا يستعبدون بني إسرائيل.
وقوله - عز جل -: { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }.
قال الحسن: قوله: { كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ } لو أطاعوا وأوفوا بالعهد الذي عهدوا [و] لكنهم لما نكثوا ذلك انتقم منهم وهذا الحرف يؤدي إلى مذهب الاعتزال؛ لأنهم يقولون: إن من قتل أو عذب تعذيب إهلاك إنما هلك قبل أجله، وأجله الموت، لكن هذا يصلح ممن يجهل العواقب، وأمّا الله سبحانه وتعالى يتعالى عن ذلك أن يجعل له أجلين؛ أحدهما: الموت، والآخر: القتل، ولكن جعل أجل مَنْ في علمه أنه يُقتل القتل، ومَنْ يموت حتف أنفه الموت، وكذلك ما روي في الخبر أن:
"صلة الرحم تزيد في العمر" ، أي: مَنْ علم منه أنه يصل رحمه، جعل عمره أزيد ممن يعلم أنه لا يصل رحمه، لا أنه يجعل عمره إلى وقت، ثم إذا وصل رحمه زاد؛ لما ذكرنا أن ذلك أمر مَنْ يجهل العواقب، وأما من يعلم ما كان وما يكون أنه لو كان كيف يكون - لا.
وقوله - عز وجل -: { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } يحتمل أن يكون قوله: { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } ما ذكر على إثره من الغرق: { فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ }.
ويحتمل أن يكون قوله: { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } من الطوفان وأنواع العذاب الذي كان حل بهم، ثم كان الإغراق من بعد.
وقوله - عز وجل -: { بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا },
يحتمل الآيات التي جاء بها موسى على وحدانية الله تعالى وربوبيته، وهي الحجج والآيات التي تقدم ذكرها من الطوفان والجراد والقمل، وما ذكر.
وقال الحسن: بآياتنا: ديننا.
وقوله: { وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } قيل: معرضين مكذبين بها، لا أنهم كانوا على غفلة وسهو عنها، لكنهم أعرضوا عنها مكابرين معاندين كأنهم غافلين عنها، وجائز أن يكون: غافلين عما يحل بهم من العقوبة بتكذيبهم.
وقوله: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا }.
هو ما سبق من الوعد لهم بوراثة الأرض، وإنزالهم فيها، وهو قوله:
{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 129]، وكقوله: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } [القصص: 5]، كان وعدهم الاستخلاف والإنزال في أرض عدوّهم، ثم أخبر أنه أنزلهم وأورثهم على ما وعدهم بقوله: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } باستعبادهم [وقوله:] { مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } قيل: فيه بوجوه:
قيل: مشارق الأرض ومغاربها: مملكة فرعون مصر ونواحيها، ما يلي ناحية الشرق وناحية الغرب.
وقيل: كان في بني إسرائيل من بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها من نحو ذي القرنين، وداود، وسليمان.
وقيل: مشارق الأرض ومغاربها: أن فضلوا على أهل مشارق الأرض ومغاربها؛ كقوله:
{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } [الجاثية: 16] قيل: على عالمي هذا الزمان، ثم تفضيله إياهم على البهائم بالجوهر، والخلقة، وعلى الجن بالرسالة والنبوة والمنافع، وعلى جوهرهم من بني آدم بالرسالة والحكمة والملك؛ كقوله: { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [المائدة: 20].
وقوله - عز وجل -: { ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا }.
قيل: أرض الشام.
وقيل: أرض مصر ونواحيها.
وقيل: سماها مباركة لأنها مكان الأنبياء - عليهم السلام.
وقل: مباركة لكثرة أنزالها وسعتها.
وقوله - عز وجل -: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ }.
قيل: هي الجنة، أي: تمت لهم الجنة بما صبروا، وقيل: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } بما كان وعدهم أنه ينزلهم فيها، ويستخلفهم، تم ذلك الوعد [لهم] وهو كما قال:
{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 5] تم ما وعد لهم أن يمن عليهم.
وقوله - عز وجل -: بما صبروا يحتمل: بما صبروا على أذى فرعون، ويحتمل: بما صبروا من أداء ما أوجب عليهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }.
قال بعضهم: قوله: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ }: على الوقف على { وَقَوْمُهُ } { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }: معطوف على قوله: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }: وهو من العرش الذي يتخذه الملوك.
وقيل: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } - أيضاً -، أي: أهلكنا ما كانوا يعرشون.
قال القتبي: يعرشون، أي: يبنون، والعرش: بيوت، والعرش: سقوف.
وقال أبو عوسجة: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ }، أي: أهلكنا وأفسدنا، { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } عَرَش، يَعْرُش ويَعْرِش يعني: يبنون من البيوت والكروم والأشجار.
وقيل في قوله: { كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ }: يعني بالاستضعاف: قتل الأبناء واستحياء النساء بأرض "مصر"، ورثهم الله ذلك.
وقيل في قوله: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } هي النعمة التي أنعمها على بني إسرائيل بما صبروا على البلاء حين كلفوا ما لا يطيقون من استعباد فرعون إياهم، والكلمة التي ذكر ما ذكر في القصص من قوله:
{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 5].